أخبار

العودة للتفاوض

} فجأة أعلنت لجنة الاتحاد الأفريقي التي يرأسها “أمبيكي” عن قيام جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال في العاصمة الأثيوبية “أديس أبابا” في الثالث عشر من فبراير الجاري بعد توقف دام عاماً إلا شهرين، حيث انعقدت آخر مفاوضات في أبريل العام الماضي، وتباعدت مواقف الطرفين وانسدت قنوات التواصل، وعاد كل طرف لقواعده استعداداً للمواجهات العسكرية التي جرت منذ أبريل الماضي وحتى فبراير الجاري، وكل طرف خسر الكثير من الرجال والعتاد، وتوالت النكبات والمآسي والفواجع على بعض من سكان السودان في مسارح الحروب.
} واليوم تبدلت مواقف وتغيرت قناعات وخسرت الحركة الشعبية قطاع الشمال حليفها الجنوبي الذي كان يتولاها بالرعاية ويغدق عليها السلاح والمال، وبات الحليف يشكو أوجاع التمرد وخسرت الحركة في الميدان مناطق عديدة تمددت فيها من قبل، والحكومة من جهتها أدركت أن الحل العسكري مستحيل والرهان على البندقية قد يكلفها في نهاية الأمر وجودها في كرسي السلطة، وأعلنت رغبتها جهراً في التصالح مع فرقائها السياسيين وخصومها من حاملي السلاح.. وإذا كانت المواقف التي افترق على أساسها المتفاوضون في أبريل من العام الماضي قد تمثلت في مطالبة الحركة الشعبية بشمولية التفاوض حول قضايا السودان جميعاً، ورفضت الحكومة ذلك باعتبار الحركة غير مفوضة من أهل السودان لتنوب عنهم في حل مشاكلهم، فإن اليوم قبول الحكومة (بالوثبة) ودخولها في مساومة تاريخية مع القوى السياسية المعارضة يمثل استجابة لمطالب المتمردين من حاملي السلاح، ولكن بمشاركة كل القوى السياسية.
} أما رفض الحكومة ادعاء المتمردين من حاملي السلاح تمثيل السودان، فإن مجرد دعوة الأحزاب القومية المعارضة لمائدة حوار يعزز صحة موقف الحكومة، فالسودان تمثله كل كياناته السياسية والاجتماعية ولا يمثله فقط من يحمل السلاح.
} البروفيسور “إبراهيم غندور” رئيس وفد التفاوض مع قطاع الشمال بعد ترفيعه من رئيس لقطاع العلاقات الخارجية بـ (المؤتمر الوطني) لمنصب مساعد الرئيس ونائب لرئيس المؤتمر الوطني، احتفظ الرجل بموقعه كمفاوض رئيسي لقطاع الشمال ولم يتنح عن المهمة لآخرين من دونه، وفي ذلك إشارة ذكية جداً بأن الحكومة التي رفضت من قبل دون مبررات منطقية اتفاق (نافع – عقار) وضعت اليوم رجلاً في قامة “د. نافع” ليقود المفاوضات مع المتمردين.
} في مثل هذه الأيام من العام الماضي التقيت في “القاهرة” بعدد من قيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال في دار (رابطة أبناء جبال النوبة العالمية) بعيداً عن عيون ووصايا أبناء “ياسر عرمان” على أهلنا النوبة الذين استقبلوني بالترحاب والتقدير لأن من يقودون التمرد في الخارج إما زملاء دراسة أو أصدقاء جمعتنا أحياء مدينة (كادوقلي) و(الدلنج) أو ضروب النشاط العام.. سألني الأخ العميد “موسى كوه مكي” شقيق الراحل “يوسف كوه”: هل حقاً الحكومة وحزب المؤتمر الوطني يريدون سلاماً؟! فقلت: لم لا؟ فقال: إذا كانت الحكومة وحزبها يقرران من طرف واحد إلغاء اتفاق وقعه “د. نافع علي نافع” الرجل الثالث في الدولة، فما الذي يجعل هذه الحكومة لا تلغي اتفاقاً يوقعه “د. كمال عبيد” الذي لا نعرف نحن ترتيبه في الحزب والحكومة؟
} سؤال العميد “موسى كوه مكي” منطقي جداً، فحزب يلغي اتفاقاً وقعه نائبه يستطيع أن يفعل بما هو دونه ما يشاء، واليوم حينما يقود بروفيسور “غندور” فريق التفاوض الحكومي فإن ذلك يمثل إشارة إيجابية جداً.. خاصة وقد أقبلت الحكومة على مراجعات كبيرة لعلاقتها بالقوى السياسية واستعدادها النفسي للتصالح مع الخصوم في وقت بدا فيه خصومها أكثر ضعفاً من ذي قبل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية