أخبار

تفاؤل حذر

(خليك متفائل).. و(بكرة أحلى).. ولماذا تنظر للجزء الفارغ من الكوب فقط؟!.
عبارات يطلقها كثيرون في محاولة منهم لبث روح التفاؤل بدلاً من التشاؤم.. وكسر حاجز (الإحباط) الذي انتشرت عدواه وخاصة بين الشباب الذين يواجه معظمهم مصيراً مجهولاً بسبب عدم تحصلهم على فرص عمل.. علاوة على ضبابية المشهد الآن في ظل الأسئلة الحائرة والمعقدة التي لا تجد من يجيب عنها.!.
تخيلت أن عقاراً تم اكتشافه يمنح متعاطيه جرعات زائدة من التفاؤل.. ولكن سرعان ما أوقف مخيلتي عن مواصلة هذا المشروع.. ذلك لأن(عقار التفاؤل) ستكون له أعراض جانبية شديدة الخطورة حين يدمن عليه متعاطيه. ويكتشف أن(التفاؤل) هو مفهوم مغلوط جداً طالما أنه ينتهي بإنجاز ما.. ما الفرق إذن بين هذا العقار و(المخدر)؟!.. إنهما متشابهان تماماً.. ومن يفق من جرعة المخدر يعود إليه الألم بشكل أكبر وأخطر.. كذلك من يفق من عقار التفاؤل سينتكس حينما يجد أنه كان خيالياً وأنه تفاءل أكثر مما ينبغي فصدمته في الواقع ستكونٍ كذلك أكبر وأخطر.!
ساقني الخيال لاكتشاف آخر وهو امتلاك (الخاتم السحري) وبدلاً من إدمان عقار (التفاؤل) فليكن هناك خاتم سحري لكل إنسان يحقق من خلاله ما يريد، وبالتالي ينتصر التفاؤل على التشاؤم وتنهزم للأبد مفردة الإحباط.!
لكن مشكلة أخرى ظهرت على السطح وقد أخذ الناس يطلبون كل ما يحلمون به وما يشتهون، وانعدمت قيمة العمل في مقابل انتشار عادة الكسل.. وشيئاً فشيئاً تلاشت الأهداف والأحلام والأماني كمفردات محفزة للحياة.. هي نهاية العالم إذن.!
الحل ليس في عقار (التفاؤل) و (الخاتم السحري) ولا حتى التحريض الشفاهي الذي يدعو الناس للتفاؤل في أحلك الأحوال وأعقد الظروف.. الحل في شيء آخر لم تصل إليه المخيلة أو يحلق حوله! خيال.. ربما يكون في (الحذر) من التشاؤم والتفاؤل معاً.. والدليل على ذلك أن (الخطاب السياسي) الذي يتصدر الواجهة هذه الأيام مكون في أغلب الأحايين من كلمتين هما (التفاؤل بحذر)، فالقوى السياسية المعارضة مثلاً عبرت عن (التفاؤل الحذر) بالسياسة الجديدة للحكومة. والحكومات عموماً ظلت في معظم تصريحاتها تردف التفاؤل بالحذر، وهي طريقة تترك مساحة للعودة عن هذا التفاؤل أو تمنحه طاقة إضافية في حال كان تفاؤلاً مثمراً.
وبعيداً عن الحكومة والمعارضة وتفاؤلهما الحذر، فإن دليلاً آخر يقف على أهمية الاحتفاظ دائماً بقدر من (الحذر)، حيث كنا في السابق نشاهد طلاباً يغمى عليهم فور سماعهم لنتائج الامتحانات. وهؤلاء معظمهم كانوا يتفاءلون بإفراط وليس بحذر.. ولكن الذين كانوا يوازنون بين التشاؤم والتفاؤل أو يضعون الحذر رديفاً للتفاؤل، لم تكن صدمتهم مفجعة وتقبلوا الأمر بهدوء لا يفضي للإغماء.
لا شيء في هذا العالم يدعو للتفاؤل بإطلاق لكن لا شيء أيضاً يستحق أن يحولنا لمدمنين للتشاؤم، فقد ثبت علمياً أن هيمنة التشاؤم تعني الموت التدريجي للإنسان، وأن بعض التفاؤل قد يحقق التوازن المطلوب، ولا أحد يمكن أن يقدم ضمانات مؤكدة لما بعد التفاؤل.. فقد تحول إلى مصطلح شفهي ونظري يصدق أحياناً.. ويكذب أحايين أخرى.!
لذا فالغـلبة فيما يبدو لحزب عريض هم المتشائلون !! وبمعنى آخـر الذين هم على مسافة واحدة من التفاؤل والتشاؤم !!.. مهما كان الاتهام الصريح بمسك العصا من منتصفها.. المهم أن نمسك شيئــاً !! لا أن نقبض على الهــواء !!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية