وقولوا قولاً سديداً
إن الله جل جلاله خاطب هذه الأمة، بل البشرية قاطبة، من خلال كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلاً من حكيم حميد. قال جل من قائل (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). هذه إشارة جديرة بأن نقف عندها كثيراً نتدبر فيها إعجاز القرآن، وكلما ازدهر العلم ازدهر الإيمان، والله يقول (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ثم يقول (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، فالإسلام دين العلم والمعرفة، وكتاب ربنا دعانا لنتعرف ونعرف كل الأشياء، وخص بها أبانا آدم ثم إرثاً للبشرية جمعاء، حيث يقول تعالى (قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ)، وهذه إشارة لتسمية الأشياء ومعرفتها، وهي من العلوم وغيرها من مستجدات الحياة، وفي قوله تعالى (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) هي تمضي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إذن نقول إن النهضة التكنولوجية والإلكترونية تستخلص من هذه الآية (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، ونتج عن ذلك وسائل تواصل بين بني البشر بمختلف أديانهم وأفكارهم، وأصبح العالم كله بمثابة غرفة واحدة، لا قرية، وهذه وسائل تقتحم علينا غرفنا من غير طرق لباب أو استئذان، وينبغي أن نقابلها بالفهم والإدراك، وأن نتفاعل معها بعقلانية ومنطقية ونستفيد منها لتحقيق أهدافنا.
ونقول هذه الوسائل – منها القنوات الفضائية و(الفيس بوك) و(الواتس آب) و(التوتير) وغيرها من مواليد الإنترنت – ينبغي لصاحب الفكر الثاقب أن يتخذها منبراً ومساحة يتواصل بها مع الآخرين من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين، ومصلحتنا أن يفهم الناس – كل الناس – سماحة الإسلام وعظمة الإسلام وعدل الإسلام وفهم الشخصية الإسلامية وتميزها بالاستقامة التي تورث التواضع والتعامل مع الناس – كل الناس – بالأخلاق العالية والروح النقية التي يفرزها الإيمان الصادق. وينبغي علينا إن رأينا ما يخالفنا ألا نقلق ونضجر ونثور، ونصف الذين يتعاملون مع هذه الوسائل بأنهم على غير الجادة، أو أنهم يسعون لحرب الإسلام والمسلمين، ولا ينبغي أن يتبادر ذلك إلى ذهن صاحب الرسالة وصاحب الدعوة في ظل صراع سرمدي لا بد منه، بل سمة كونية واقعة ولازمة لا تفارقنا، فهو الصراع بين الحق والباطل، والأمر سجال بينهما إلى قيام الساعة، والعاقل والمدرك من دخل على هذه الوسائل وبث فيها فكرته وفكره ودعوته بالحجة والدليل ليميز بين الغث والسمين. وصاحب الدعوة والرسالة لا يتخندق فقط داخل موقعه ومكانه، بل ومسجده ومدرسته، فأهل المساجد عرفوا الأمر واستقاموا عليه، فأين الذين خارج المسجد وهم بحاجة للهداية، والعلماء الربانيون كانوا يقدمون الدعوة في الأسواق والأندية والمقاهي.. وأماكن اللهو أولى بأهل العلم، ثم أولى بنا أن نقدم رسالتنا ودعوتنا من خلال هذه الوسائل التي تجمعنا مع كل الأفكار والنظريات، وصاحب الحجة والدليل والبرهان لا يخشى ولا يخاف الحق أبلج والباطل لجلج، وما علينا إلا البلاغ والله الهادي إلى سواء السبيل.