التحدي في الشرق والغرب
في رأيي أنه وبعد التطورات السياسية الأخيرة لن يكون أمام الأحزاب الممزقة مفر من إعادة توحيد نفسها استعداداً للمرحلة القادمة. أساساً هذا التمزق كان نتيجة للاستقطاب والتجاذب بين المؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى خاصة حزبي الأمة والاتحادي. بدون توحد الحزبين الكبيرين لن يكون هناك أي معنى لأي خطوة سياسية نحو تجميع القوى السياسية على قلب رجل واحد في المرحلة القادمة.
ولكن في البداية: لماذا تمزقت هذه الأحزاب؟ لو سألنا أنفسنا هذا السؤال سنتعب في الوصول إلى إجابة. فمعظم الانشقاقات تبدو ناتج غضبة من زعيم أو جماعة لأنه لم يحصل على نصيبه الذي حلم به. الاتحادي الديمقراطي نشأ كحزب يدعو للاتحاد مع مصر وهذا سر الاسم. الشيء الغريب أن الحزب الذي دعا للاتحاد مع مصر وأقنع أعضاءه أن تلك الخطوة ضرورية لمصلحة السودان لم يستطع توحيد نفسه داخل السودان. كانت بدايات الانشقاقات ظهور التجمعات العرقية في الشرق. ظهر تجمع البجا منذ أواسط الستينيات، وعزف على وتر تهميش المنطقة، وحقيقة كانت هذه المنطقة في الشرق مهمشة، وكان الإنسان في هذه المنطقة يعيش في حالة أقرب إلى البدائية، ليس له حرفة غير رعي الإبل والضأن. وبعد أن ضربت موجات الجفاف المنطقة فقد الناس هناك معظم الضأن ولم يبق لهم سوى الإبل التي لا تجد سوقاً، فالسودانيون لا يأكلون لحمها.
والحكومات المتعاقبة لم تهتم بإصلاح أوضاع الناس ولم يطالب الحزب الاتحادي بمشاريعه التنمية لذلكم ظهر جيل لا يهتم لهالة القداسة التي تحيط بآل الميرغني ويريد حظه في الحضارة.
نفس الأمر ينطبق على غرب السودان، فهذه المنطقة تدين بالولاء لآل المهدي وأعطتهم قداسة، لكن الأجيال الجديدة تريد شيئاً ينتشلها من تلك الحياة البدائية، فلا زالت مدن الغرب في حالتها وكأنها تعيش في العصور الوسطى. وجاءت موجات الجفاف التي دفعت الناس للهروب، ولم يكن أمامهم أي مهرب سوى العاصمة. والآن معظم أحياء العاصمة والجزيرة تضم سكاناً جاءوا من غرب السودان حتى أصبح عددهم أكثر من سكان المنطقة التي لجأوا إليها، وكل هذا سببه إهمال الحكومات، فآخر مشروع زراعي نفذته الحكومة في غرب السودان كان مشروع (الغزالة جاوزت) الذي لم يكتمل. وجاءت فترة الحزبية الثانية التي انشغلت فيها الأحزاب بالصراعات على مقاعد السلطة وأهملت برامج التنمية تماماً.
أهم عنصر يصنع التقدم والحضارة هو الاستقرار وسهولة الانتقال، وفي هذا لم يكن للشرق نصيب رغم تعاقب الحكومات، إذ بقيت الطرق كحالتها البدائية، حتى السكك الحديدية لم يجر تطويرها وظلت على حالها التي تركها فيها الاستعمار. وظل الإنسان في هاتين المنطقتين على حالته البدائية يعيش على الرعي كما هو الوضع منذ آلاف السنين.
وزاد الأمر سوءاً بتشكيل الحركات المسلحة التي أيضاً حرصت على الاستحواذ على أكبر قدر من المناصب والامتيازات ولم تهتم بتطوير حياة الناس. وأدى النشاط العسكري إلى توقف كل مشاريع التنمية وفقد الناس الحد الأدنى الذي كان يبقيهم. وظلت المدن والقرى على حالتها البدائية التي كانت عليها منذ العصور الوسطى ومن أراد تحسين وضعه ليس أمامه إلا الهجرة.
أمام الحزبين الكبيرين هذا التحدي في شرق وغرب السودان وعليهما إقناع الناس هناك أنهما سيقدمان أداءً مختلفاً لإقناعهم.
> سؤال غير خبيث:
كم تستغرق رحلة القطار إلى مدينة نيالا وكم تستغرق الرحلة إلى حلايب؟