تقارير

هل يصطف «الصادق» و«الترابي» و«الميرغني» خلف «البشير» أم أمامه؟!

} تطورات متسارعة شهدتها الساحة السياسية الداخلية قبل وبعد خطاب الرئيس «عمر البشير» الأسبوع الماضي، دفعت إلى تقارب بين أكبر أربعة كيانات سياسية ذات خاصية انتخابية لتحالف ربما شهدت الشهور القادمة ميلاده!! وبات السيدان «الصادق المهدي» ود. «حسن الترابي» أكثر قرباً من الرئيس «عمر البشير»، لتبدو صورة مخاض التحالف القادم رباعياً بوجود السيد «محمد عثمان الميرغني» زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي في قلب حكومة القاعدة العريضة التي تحكم البلاد الآن!
لكن السؤال.. ما الذي دفع بهذا التقارب المفاجئ بين الأحزاب والكيانات الكبيرة نحو المؤتمر الوطني الذي رفعت كل تلك الأحزاب شعارات تطالب بإسقاط نظامه ورميه في البحر الأحمر ولا تقيم حتى عزاءً لرحيله؟؟ فالقياديون الثلاثة «البشير» و»الترابي» و»الصادق المهدي» المجتمعين تحت سقف القاعة الدولية بقاعة الصداقة الأسبوع الماضي، لم يجتمعوا إلا بعد اتفاقيات وتفاهمات جرت بين الجدران الصماء، فتحت أبواب الأمل لتوافق سياسي بين أكبر الكيانات السياسية في البلاد، وتحقيق ما ظل يدعو إليه السيد «محمد عثمان الميرغني» زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ عودته من المنفى الاختياري في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي.
بعد دخول د. «الترابي» قاعة الصداقة وجلوسه بالقرب من حفيد السيد «الميرغني»، وتبادل الحديث الهامس مع العميد «عبد الرحمن الصادق المهدي» ومصافحته ببرود لبعض من تلاميذه السابقين، تساءل المراقب للشأن السوداني ما الذي دفع «الترابي» للتقارب مع المؤتمر الوطني؟؟ وهل التغييرات التي شهدتها الحكومة بخروج د. «نافع علي نافع» و»علي عثمان محمد طه» ود. «عوض أحمد الجاز»، والثلاثة يعدّهم «الترابي» (مهندسين) بالأصالة لأسباب الانشقاق الذي ضرب تيار الإنقاذ في الرابع من رمضان.. هل هذه التغييرات سبب في التقارب مع المشير «البشير»؟؟
وما هي المحفزات التي دفعت الإمام السيد «الصادق المهدي» للإقبال على التفاوض مع المؤتمر الوطني بعيداً عن تحالف قوى الإجماع الوطني؟؟ وهل يمكن أن يتمخض عن التقاربات في الساحة تشكيل حكومة قومية؟؟ وبشروط مَن المؤتمر الوطني أم المعارضة؟؟ وما دور مجموعة «غازي صلاح الدين» المنشقة حديثاً عن المؤتمر الوطني في الساحة مقبل الأيام؟؟
ثمة أسباب داخلية وخارجية دفعت د. «الترابي» لاتخاذ مواقف أكثر مرونة من سابق علاقته بالنظام الذي صنعه هو وجاء بكل رموزه، وارتقى بهم إلى المواقع التنفيذية والسياسية.. فالأحداث التي شهدتها مصر بإقصاء الإسلاميين عن السلطة من خلال تحالف التيارات العلمانية في الجيش المصري، واليسار العريض والقوى الغربية، وبقايا نظام «حسني مبارك» المخلوع، والدعم الخليجي للتغيير، والأموال الطائلة التي أنفقت على الشارع المصري وصلت حد تقديم الوجبات الغذائية للمعتصمين في ميدان التحرير، وإنفاق المال علناً.. والمؤامرة الخليجية على الحكم في تركيا وتونس جعلت د. «الترابي» بحسه السياسي الرفيع وخزانة معلوماته الخاصة التي يغذيها إسلاميون من مختلف بقاع العالم، يدرك أن ثمة مؤامرة بدأت تحاك من دول خليجية تملك أموالاً طائلة واستعداداً لتغيير نظام الحكم في السودان لصالح تيارات علمانية متطرفة، يحمل بعضها السلاح، وآخر سياسي ينشط في معارضة الحكم، وأن مخطط إزاحة التيار الإسلامي من السلطة في السودان لا يقتصر على «البشير» و»علي عثمان»، بل يشمل كل التيارات الإسلامية بما في ذلك الختمية والأنصار، و(توليد) نظام علماني بقبعات عسكرية يحظى بدعم خليجي وغربي.. ونظر «الترابي» إلى خصوم المؤتمر الوطني من القوى التي تحمل السلاح، وقدّر وهنها وضعفها وعجزها عن إسقاط جيش قومي له إرثه وتاريخه وثقافته وسنده الشعبي العريض، عطفاً على أن القيادة الحقيقية لتحالف القوى التي تحمل السلاح بيد التيارات العنصرية العلمانية، التي تعدّ كل الإسلاميين أعداء لها، وإن بسطت جناح الود لمن هم في المعارضة مؤقتاً لمساعدتها في بلوغ مبتغاها وتحقيق أهدافها.. ود. «حسن الترابي» الذي صنع كل مجد الإسلاميين في السودان نظر إلى واقع حزب المؤتمر الشعبي منذ المفاصلة وحتى اليوم وخسرانه قيادات لها ثقلها التنظيمي والاجتماعي، وتناسل الإخفاقات في تأسيس ونهوض حزب جديد.. وأجهض تلاميذ «الترابي» مجموعة من المحاولات الانقلابية التي خطط لها إسلاميون سواء أكانوا على صلة تنظيمية بـ»الترابي» أو خرجوا من عباءة المؤتمر الوطني، ولم تحقق تلك المحاولات إلا أصفاراً.. وحركة العدل والمساواة التي تحمل السلاح وتعدّها الجهات الأمنية في الدولة الذراع العسكرية لحزب المؤتمر الشعبي، انكفأت على نفسها (جهوياً) وأضحت تعبر عن بعض أبناء دارفور المعارضين للنظام، ووثب على هيئة قيادة الحركة من تطغى عليه روح العنصرية والجهوية، وتجاوزت العدل والمساواة بتحالفاتها السياسية في الخارج سياق ومفاهيم القوى الإسلامية، وباتت أقرب إلى العلمانية منهجاً وسلوكاً وإن تبدى التزام بعض القيادات بإرثهم الإسلامي.. في ظل هذه المعطيات، نظر «الترابي» وقرأ ما في الساحة السياسية وحمل قيادات حزبه على التفاهم مع المؤتمر الوطني!
ولكن هل التغييرات في قيادة حزب المؤتمر الوطني سبب ومأخذ للتقارب بين «البشير» و«الترابي»؟؟ ربما يعتقد البعض أن «الترابي» أقبل على التفاوض مع «البشير» بعد إزاحة «علي عثمان» ود. «نافع علي نافع» من السلطة، ولكن ما جرى من تواصل قبل مغادرة هؤلاء ينفي صحة هذه الفرضية، فالأستاذ «علي عثمان محمد طه» أول من أحدث اختراقاً في علاقة الوطني والشعبي حينما التقى بدكتور «علي الحاج» في ألمانيا، ثم واجهت مبادرة (العليين) صعوبات عملية وتكاثفت الشكوك.. وبعد ذلك التقى د. «نافع علي نافع» بـ»الترابي» لمدة ست ساعات كاملة جرى خلالها حوار عميق جداً، اشترط فيه «الترابي» عودة الحريات والديمقراطية ولكن د. «نافع» تكتم على الخطوة، وكذلك د. «الترابي» الذي تعددت لقاءاته بالرئيس «عمر البشير».. ومما جسر العلاقة أن اللقاءات لم تنحُ باتجاه توحيد الإسلاميين وإنما تفاهمات حول قضايا الحرية والديمقراطية والانتخابات والدستور.. وحينما هبت عاصفة أحداث سبتمبر الماضي أيقن المؤتمر الوطني أن حكمه قد يذهب من بين يديه بغتة، أو يصبح الحفاظ عليه هدفاً في حد ذاته ويكلفه ثمناً باهظاً، فاتُخذت مراجعات جوهرية حول قضايا السلام والحريات والانتخابات والأوضاع الاقتصادية، وفتحت وثيقة الإصلاح التي أعدتها لجنة مولانا «أحمد إبراهيم الطاهر» أبواب التفاهمات مع الآخرين لتسويات لقضايا الحرب والهوية والدستور.. أما السيد «الصادق المهدي» فقد كان استيعاب ابنه «عبد الرحمن الصادق» في القصر مساعداً للرئيس بمثابة شعرة تربطه بالنظام، ولكنه في ذات الوقت ظل معارضاً ثقيل الوزن ضمن قوى الإجماع الوطني التي تمثل طيفاً عريضاً من التيارات السياسية ذات الفاعلية الإعلامية، والتيارات السياسية ذات الثقل السياسي كحزب الأمة والشعبي والاتحادي.. أما قوى الإجماع الأخرى فكثير منها (جنرالات بلا جيش)، وأسماء بلا قواعد مثل «فاروق أبو عيسى» و»هالة عبد الحليم» ومن دون ذلك من القيادات ذات الحضور الإعلامي والضمور الشعبي.. والسيد «الصادق المهدي» من دعاة تكوين حكومية قومية بـ(أوزان) افتراضية تضع حزب الأمة في مقدمة الأحزاب السودانية، ويمتد عمر الحكومة القومية بما يسمح بتصفية الوجود الإسلامي في الخدمة المدنية والعسكرية، و(حلحلة) تماسك المؤتمر الوطني وإضعافه من الداخل، والاستئثار بثروات البلاد بما يعيد لحزب الأمة بريقه القديم، ومن ثم إجراء انتخابات تزيح المؤتمر الوطني عن السلطة وعن الساحة السياسية بما يرتضيه المؤتمر الوطني (غفلة) منه.. والسيد «الصادق المهدي» يعدّ تصفية المؤتمر الوطني من أولويات الحكومة القومية التي يفترض تشكيلها.. ولكن هناك دوافع لـ»المهدي» للتقارب مع المؤتمر الوطني، فالحزب الاتحادي الديمقراطي دبت في جسده العافية، وبعد سنوات القحط والجفاف جاءت سنوات الخصوبة، وبدأ السيد «محمد عثمان الميرغني» يحصد ثمار دخول الحزب الاتحادي الديمقراطي السلطة.. وما بين «الصادق» و»الميرغني» تنافس تاريخي.. ويبدو السيد «الصادق المهدي» أكثر حرصاً على الحكومة القومية من د. «حسن الترابي»، حيث تعلو عند «الترابي» الاعتبارات الإستراتيجية على التكتيكية.. ومن هنا جاءت خطوة زيارة وفد المؤتمر الشعبي إلى مقر حزب د. «غازي صلاح الدين»، يوم (الأربعاء) الماضي، بمثابة تحول كبير لجمع فرقاء التيار الإسلامي للتراضي على قاعدة تفاهم تمنح هذه التيارات حرية في النشاط والدعوة، مقابل دعم الحكومة والمؤتمر الوطني في القضايا الكلية والتحضير لانتخابات ربما تم تأجيلها إلى العام 2017م إذا تم التراضي على حكومة ذات قاعدة عريضة أو حكومة قومية، لا بشروط المعارضة ولا بشروط وأمنيات المؤتمر الوطني، ولكن من واقع تنازل كل طرف عن مواقفه الحالية لمصلحة الوطن.
} صندوق دعم السلام
} أصدر الرئيس «عمر البشير» في اليوم الثالث والعشرين من يناير الماضي قراراً جمهورياً بالرقم (4) لسنة 2014م بإنشاء صندوق دعم السلام بولاية جنوب كردفان، وأسند رئاسته إلى نائبه الأول الفريق «بكري حسن صالح»، الذي يرتبط بمنطقة جبال النوبة ثقافياً واجتماعياً، وله صلات واسعة بمجتمعها العريض. وحدد القرار اختصاصات الصندوق في: معالجة آثار الحرب، تأهيل البنيات الأساسية، التعبئة والترويج لثقافة السلام، نبذ الاحتراب، إعادة دمج النازحين، التركيز على التنمية الاجتماعية، قيادة عمليات التصالح، بناء الثقة ورتق النسيج الاجتماعي، تعزيز شراكة الموارد والمنافع، التعايش السلمي واستقطاب الدعم الداخلي والخارجي لمشروعات الولاية.. وقد جاء ذكر الصندوق كالتزام سياسي من الرئيس في خطابه خلال احتفالات البلاد بعيد الاستقلال.. ورغم أهمية القرار من الناحية السياسية، ومخاطبته لمجتمع عريض تشكل الحرب الدائرة الآن في جغرافيته تحدياً كبيراً للدولة، إلا أن القرار لم يجد حظه من التداول في أجهزة الإعلام الحكومية والخاصة، ولم يحظ بالنشر أو إلقاء الضوء على عضوية الصندوق ونشر أسمائهم، كأن القضية التي استدعت قيام الصندوق لا تجد اهتماماً من وسائل الإعلام الحكومية.. وحتى إعلام القصر لم يبد أي حماس لنشر قرار أصدره الرئيس الذي يعملون تحت أمرته، مما يدلل على استهانة بعض الموظفين بقرارات رئاسة الجمهورية!!
وبقراءة الأهداف والاختصاصات التي من أجلها تم إنشاء الصندوق، فإنها قد تساهم في تخفيف حدة الاختناق السياسي الداخلي، وتستوعب عدداً كبيراً جداً من القيادات السياسية التي تضيق فرص توظيفها سياسياً وتجاوزت أعمارها (الاشتغال) بالوظيفة المدنية والعسكرية.. فهل تضع الحكومة تحت يد الصندوق مهام التفاوض مع حاملي السلاح وتستفيد من قدرات وخبرات عضوية المجلس، الذي اتسع ليشمل أحزاباً في الحكومة والمعارضة وحلفاء المؤتمر الوطني من أحزاب جبال النوبة التقليدية، إضافة إلى الأحزاب القومية؟؟
لقد ضم مجلس الصندوق من قيادات النوبة الفريق «جلال تاور»، «إبراهيم نايل إيدام»، «محمد مركزو كوكو»، مولانا «سومي زيدان عطية»، «خميس كجو»، «إسماعيل يحيى»، اللواء «ميرغني كوة»، الأمير «خاطر أبو راس عسولة» و»يونس رومي كالو».. ومن قيادات الحركة الشعبية د. «تابيتا بطرس»، الفريق «دانيال كودي»، «عوض خير الله»، «رمضان شاويش»، «محمد هارون كافي»، اللواء «ربيع إسماعيل النويري»، «أستا كوكو رحال» و»عبد الباقي علي قرفة».. ومن الحزب القومي «منير شيخ الدين» و»محمد حجاجو».. ومن قيادات المؤتمر من غير القبائل النوبية د. «علي إبراهيم»، «عواطف عبد الله عبد الحميد»، «سلمان الصافي»، «حاج ماجد سوار»، «خيري القديل»، «محمد التوم حامد» شقيق «محيي الدين التوم» نائب رئيس المؤتمر الوطني السابق، «عثمان قادم»، «بشير حماد»، «محمد الشيخ الطيب»، د. «القوني عبد الرحيم»، «أحمد علي سبيل» وكل أمراء القبائل بجنوب كردفان، إضافة إلى شخصيات اعتبارية كرئيس اتحاد المزارعين والرعاة، ووزير المالية الاتحادي، ووزيرة الرعاية الاجتماعية.. ومن حزب المؤتمر الشعبي تم اختيار «أحمد الشين الوالي».. ولم يشمل الاختيار قيادات حزب الأمة أو حتى الاتحادي الديمقراطي بزعامة د. «جلال الدقير» والاتحادي الديمقراطي الأصل، ولكن ربما طبيعة مجلس الصندوق أو الجهات التي تم تكليفها بإعداد قائمة عضوية مجلس الصندوق لم يمتد أفقها بعيداً لواقع جنوب كردفان، وقد بدأت الاحتجاجات هنا وهناك، إلا أن قيام صندوق لدعم السلام وبالاختصاصات التي وردت في القرار من شأنه المساهمة إيجاباً في (ترطيب) المناخ الداخلي والتقليل من حدة الاختناقات التي تواجه المنطقة.. ويمثل الصندوق إضافة حقيقية للتمثيل والتوظيف والشراكة مع المركز لمنطقة تمثل أهمية كبيرة في سياق تدابير المرحلة التي بدأ مخاضها الآن في المركز.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية