الحوادث

قاضٍ سابق يحكي لـ (المجهر) قصّة اللص الذي أخفى جملاً داخل (قطيّة)!!

{ (للهمباتة) في السودان عادات وتقاليد وأعراف مرعية يتوارثونها جيل بعد جيل، ويتغنون بها في أشعارهم ويتفاخرون بها في منتدياتهم وتجمعاتهم، وإذا ما فاخرهم مفاخر أو نازعهم منازع تباهوا بها في مجتمعاتهم الرعوية. والهمباتة هم في الغالب الأعم لصوص الإبل دون سائل الأنعام.. ويحتقرون اللص الذي يسرق الشيء التافه أو الشيء الزهيد القيمة.. ويقول شاعرهم في شمال كردفان مفاخراً:
أنا كان حرامـــي ما بسـرق السجارة
بســــرق المــــن العــــيون تضـــارة
الكشفت في مصر ضوت دكاكين بارا
وهو يقصد أنه يتصدى بالسرقة إلى (الدبوكة) من الإبل المتجهة إلى مصر من إبل التجار، و(الدبوكة) هي المائة من الإبل والتي قد تزيد قليلاً أو تنقص، وعندما تباع في مصر تعود على أصحابها بالفائدة والربح الوفير.
{ أما شاعرهم في (السافل) فيتغنى مفاخراً ومخاطباً جمله المسمى بالساحرة قائلاً:
الولد البيقوم من بيت أم حمد مدين
غصباً عنه بالسـاحـــر بسوقن بين
بمعنى أنه لا يسرق الجمال خلسة أو في غفلة من أصحابها إنما يأخذها عنوة أمام أعين أصحابها.
{ أما (اللص الظريف) فلم يكن كذلك عندما سرق (جمل قيد) في العام 1980م من قرى بادية شرق كردفان وسرى به ليلاً، إلى أن أحضره إلى قريته، وأخفى الجمل المسروق حتى تمكن منه الجوع والعطش، وقام بعد ذلك بإناخة الجمل المسروق أمام القطية وجعل يقدم له العيش في الطبق وهو مربوط بالعقال، وعندما يتقدم الجمل نحو الطبق يقوم (اللص الظريف) بسحب الطبق، إلى أن دخل الجمل داخل القطية تماماً!! وهنا تجلت عبقرية اللص الظريف إذ أحضر (ستارة) وجعلها بين الجمل وامرأة حديثة الولادة كانت ترقد عند مدخل القطية، بغرض التمويه والتعمية!!
{ وفي عرف الهمباتة أن (جمل القيد) لا يسرق بتاتاً، لأنه جمل الرجل المسكين الذي يعتمد عليه في معيشته ويجلب به المياه والحطب وليس لديه مصدر رزق سواه، وبالتالي يترفع الهمباتة عن سرقة مثل هذا النوع من الجمال. وعندما جاء صاحب الجمل المسروق مع أفراد (الفزع) متعقبين أثر الجمل المسروق، قادهم الأثر إلى القرية، ولم يخرج الأثر من القرية، وكانوا في حيرة من أمرهم، إلى أن دلتهم امرأة عجوز على (القطية)، فأسرع إليها صاحب الجمل المسروق وشاهد المرأة التي ترقد مع طفلها الصغير، ولم يشاهد الجمل، فرجع قاصداً المرأة التي دلته.. فقالت له: اذهب وضع أذنك على جدار القطية لترى وتسمع!! وعندما وضع صاحب الجمل أذنه على جدار القطية سمع صوت الجمل يعيد مضق الطعام.. ومن المعروف أن الجمل من الحيوانات المجترة التي تلتهم الطعام أثناء العمل والسير ثم تعيد مضغه أثناء الراحة.
{ وهنا ظهر له اللص الظريف وخاطبه قائلاً: وجدت جملك؟ فرد صاحب الجمل: نعم.. فرد عليه اللص (شوف الطريقة التي تخرجه بها من القطية)!! وهنا رد عليه صاحب الجمل: (إنت بتسرق جمل القيد)؟! فرد عليه اللص قائلاً: (نحن الهمباتة أصلنا معروف.. من غير مال الرجال ما عندنا مصروف)!!
{ وقد أدانت محكمة الجنايات اللص بجريمة السرقة وقضت عليه بالسجن لمدة خمس سنوات لكي يرعوي ويجد له مصروفاً من غير مال الرجال!!
قاضي محكمة الاستئناف سابقاً
والمحامي حالياً

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية