ماذا بين «البشير» و«الترابي» وراء الكواليس؟!
القاعدة الطبية تنضح بحكمة مفادها أن التدليك ينشّط العضلات، وبذات القدر فإن العلاقة بين المتخاصمين تنشط وتتطور على أرائك اللقاءات السريعة والمباشرة. فالشاهد أن هنالك تطوراً دراماتيكياً قد حدث في العلاقة المتوترة بين الرئيس “البشير” والدكتور “حسن الترابي” إلى مسار الاعتدال بفعل اللقاءات الاجتماعية التي كانت تحدث بين الرجلين خلال الفترة الفائتة، وقد كان أبرزها اللقاء الثنائي بينهما في مأتم والدة اللواء (م) “التيجاني آدم الطاهر” عضو مجلس إنقاذ 30 يونيو 1989م، ثم توالت اللقاءات في العديد من الأفراح والأتراح، وكان آخرها العناق الحار بين الاثنين في مأتم الرمز الإسلامي والقيادي بالحزب الشعبي المرحوم “يس عمر الإمام”، وما تلاها من إشارات وإيماءات شكلت فاتحة شهية إلى إمكانية إعادة المياه إلى مجاريها على طريق الحوار السياسي المرتقب بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي.
كانت تتشكل في دواخل الرئيس “البشير” رغبة عارمة في إصلاح علاقته مع الدكتور “الترابي”، التي صارت مضرب الأمثال في المصادمات السياسية الميلودرامية، والنموذج الواضح في الكراهية المتبادلة، فقد رأى “البشير” أن المعطيات الواقعية لقيام إصلاح سياسي شامل بالبلاد وإعادة الوئام إلى اللحمة الإخوانية المجروحة لن يتأتى إلا عبر مصالحة تاريخية بينه وبين “الترابي”، بوصفه الأب الروحي للحركة الإسلامية السودانية، فالصراع بين “البشير” و”الترابي” ليس صراعاً تافهاً بلا معنى مثل صراع أصلعين على مشط، بل هي معركة ضخمة تنعكس آثارها على تماسك الوطن ومركب الحكم.. هكذا تولدت فكرة الهيام نحو “الترابي” من الرئيس “البشير” في لحظة فاصلة مبنية على فرضيات المسؤولية الوطنية، وقد كان “الترابي” ينثر حبيبات النصائح والملاحظات والآراء أمام “البشير” خلال تلك اللقاءات الاجتماعية الخاطفة، وربما كانت تأخذ حيزاً في دواخله ما بين القبول والتأمل الشفيف. بناءً على تلك المعطيات الواضحة، سرت في أجواء المشهد السياسي إرهاصات قوية حول ترتيب محادثات مباشرة على الطاولة بين الرجلين، لكن اللقاء لم يتم ارتكازاً على أحداث التصعيد العسكري في (أبو كرشولا) في ذلك الظرف، غير أن الصيغة استُبدلت باتصالات وإشارات لم تظهر على السطح بين الطرفين.
في الصورة المقطعية، ظل الحوار ثنائياً بين “البشير” و”الترابي” دون مشاركة الأجهزة الحزبية في الوطني والشعبي تحسباً لعراقيل العناصر المتطرفة في الضفتين، وربما يكون عنصر الصدمة والغموض هائماً في أجواء الإشارات الثنائية بين “البشير” و”الترابي”، فالحوار بينهما سيكون مستمراً على مستوى الفضاءات البعيدة في إطار التباحث حول القضايا الأساسية الوطنية والحزبية، فالحاجة إلى ترميم العقل وتهيئة النفوس لإدراك أبعاد التفاهمات الثنائية بين الرجلين ما زالت قائمة تتوكأ على الحذر والسرية، ومن هنا يتأطر السؤال المنطقي: ماذا بين “البشير” و”الترابي” وراء الكواليس؟! هل هنالك صفقة سياسية مذهلة ستخرج إلى الملأ على أعتاب وصول الإشارات الثنائية إلى الأشواط النهائية؟ وهل يمكن أن تعود الصيغة الاندماجية بين الوطني والشعبي؟!
ربما تكون تلك التوقعات بعيدة المنال.. غير أن قاموس السياسة لا يعرف المستحيل، ولا يؤيد الخصومة السرمدية في زمن تصادق فيه الذئب والحمل!!
على صعيد الساحة السودانية.. ربما تكون هنالك تصورات حول قضايا الحكم والدستور والسلام والهوية قيد التدارس في الحوار الثنائي. وإذا حاولنا إضاءة المصابيح حول رأي “الترابي” إزاء خطاب الرئيس “البشير” الأخير حول الإصلاحات السياسية، نجد أن إجابة الرجل مخلوطة بين الاعتدال والرجاء، فقد ذكر بأن خطاب “البشير” (مجرد نسمة حرية)، فضلاً عن إعلان ترحيبهم بالدعوة إلى الحوار، وقد زالت العبارات الهجومية الغليظة التي كانت سمة “الترابي” في مثل هذه الأحوال!!
والمحصلة.. ما زال هنالك الكثير من الأشياء في الصندوق المغلق بين “البشير” و”الترابي”.