الإصلاح والتمكين
كل المؤشرات تقول إن الحكومة ستراجع سياسة التمكين وتعجم عيدان كل من أتى عبرها، هل هو بالفعل الأكثر كفاءة في مجاله. فإذا كان كذلك فلن يمسه التغيير، أما إن كان وجوده في هذا المنصب فقط لأنه من الإسلاميين، عندئذٍ استحق التغيير بآخر أكثر كفاءة. ونحن لا ينبغي لنا الاعتقاد أن كل من جاء عبر هذا الباب هو غير كفء ولا يملك مؤهلات الوظيفة.
هناك الكثير من ضحايا سياسة التمكين ممن فقدوا وظائفهم. وهؤلاء ليسوا كلهم من خصوم الإسلاميين، بل إن بينهم من هو أشد إخلاصاً للبرنامج الإسلامي ويناضل في هذا الطريق منذ المرحلة المتوسطة، ولكنه في النهاية وجد نفسه على الرصيف أو أعطيت له وظيفة هامشية في مؤسسة هامشية. ولم تستفد البلد أو الحركة الإسلامية من جهوده. وأضرب مثالاً بالأخ الدكتور “حسن مكي”. شاء حظي أن أكون أكثر من حاور هذا المفكر في السودان وخارجه، وعقب كل حوار كنت أتساءل: لماذا رجل لديه كل هذا العلم وكل هذه الرؤية يبقى بعيداً عن مؤسساتنا التي تهتم بالشؤون الخارجية. هذا الرجل يعتبر مرجعاً في تاريخ صراعات الدول الأوروبية على أفريقيا، فلماذا لا تستعين به وزارة الخارجية على الأقل كمستشار لوزير الخارجية. هل لأن أحداً لا يستلطفه أم ماذا؟ نفس الأمر ينطبق على دكتور “غازي صلاح الدين” وغيرهم كثيرون قابلت خلال عملي عشرات ممن هم على شاكلة “حسن مكي” أو “غازي”. ولم أجد حتى الآن من يجيب عن أسئلتي.
أكبر كارثة لسياسة التمكين كانت هي التي نزلت على الإعلام المكتوب. نحن لا نعترض أن يكون على رأس العمل أحد أخلص المخلصين للمشروع الإسلامي. ولكن لا ينبغي الاعتقاد أن كل من هو خارج التنظيم هو عدو تتوجب محاربته. للأسف الشديد حورب كثيرون لأنهم جاءوا من خارج التنظيم. ورغم أنهم أظهروا إخلاصهم إلا أنهم كانوا دائماً في دائرة الشكوك، خاصة إذا كان أحدهم ارتبط في مرحلة من حياته بجماعة يسارية. مثل هذا لا يشفع له إخلاصه للحركة الإسلامية. الكثير من المناصب الإسلامية ذهبت للأعلى صوتاً ولهذا أصبحت برامج التلفزيون مملة، كأن من يقدمونها يلقون خطباً في جامع. وحتى إذا خرجوا من دائرة الخطابة فإنهم لا يقدمون سوى الأغاني، فانتشر الغناء وحرمت الأناشيد الجماعية، فمن النادر سماع نشيد لـ”وردي” أو لـ”محمد الأمين” كأنه من المحرمات. هذا الوضع بحاجة إلى تصحيح وذلك لن يكون لا بإعادة هيكلة الوظائف الإعلامية، ليدخل العلماء في كل المجالات لتعود الإذاعة والتلفزيون إلى وظيفتهما كخبيرين للإبداع.
لماذا اختفت الدراما من خارطة برامجنا ولماذا لم تشجع الشركات للتوجه ناحية الإنتاج الدرامي لبضائعهم. لدينا فهم خاطيء أن كل الإنتاج الدرامي خاطيء، وأن الدراما لا يأتي فيها إلا ما هو شر مطلق. ألم يراقب هؤلاء ردود الأفعال عندما عرض مسلسل “عمر بن الخطاب، وكيف كان الناس يتدافعون للتلفزيون ليشاهدوه. لماذا لم تستمر الصحوة التي بدأها “الطيب مصطفى” عندما كان مديراً للتلفزيون؟
إذا راجعنا بنية الوظائف سنجد كثيرين ممن احتلوا مناصب لا يحملون مؤهلاتها، وأبعدت كفاءات لأنها لا تجد القبول من بعض القيادات رغم كفاءتهم التي شهد بها الجميع. لا يشترط أن يعمل الجميع وزراء أو مديرين بل يمكن أداؤهم لدور مستشار يكتب الدراسات، ويقترح الحلول ولا يشترط حضوره يومياً للوزارة، بل يمكن تحديد يوم في الأسبوع لاجتماع الخبراء لدراسة ما حدث خلال الأسبوع ووضع خطة للأسبوع القادم. أي قرار يصدر من هذه المجموعة سيكون مدروساً وليس فيه ثغرة.
> سؤال غير خبيث
كم كفاءة خسرنا خلال العشرين عاماً الماضية؟