مشاهد وكواليس من داخل وخارج قاعة الصداقة
} لم يحو خطاب الرئيس “عمر البشير” مساء أمس (الاثنين) أية مفاجأة سياسية، بالوزن الذي كانت تتوقعه، وتترقبه كل الأوساط السياسية والاجتماعية في البلاد، وعلى امتداد الشارع العريض في المدن والقرى والفرقان.
} غير أن الخطاب حوى جملة محاور وخطوط ومؤشرات (فلسفية) ترسم (وجه) وتحدد ملامح المرحلة السياسية القادمة في السودان.
} المحوران الأساسيان في الخطاب هما أولاً: (السلام).. سبل تحقيقه واشتراطات التراهن على وقف الحرب في نجوع البلاد، أما المحور الثاني فيتعلق بالتأسيس لـ(المجتمع السياسي الحر)، وفي هذا المحور تتنزل قواعد (اللعب الانتخابي النظيف) وإشاعة الحريات العامة، وفي مقدمتها حرية التنظيم والتعبير والصحافة والإعلام، وثبت الرئيس في خطابه اعترافاً غالياً ونبيلاً في قوله: (إن حرية التسابق على المقعد الدستوري ليست تامة بعد).
} خطاب الرئيس المطول يمكن اعتباره (فرشة فلسفية) لبرنامج العمل السياسي وموجهات (الدستور) خلال المرحلة القادمة أكثر منه خطابا سياسياً محشوداً بقرارات وموجهات وإعلانات مباشرة كان يترقبها الكافة.
} من كتب هذا الخطاب، أو من ساهم في تحريره وصياغته؟! كثيرون واجهوني بهذا السؤال فور فراغ الرئيس من تلاوته على منصة القاعة الدولية بقاعة الصداقة!!
} وفي الحقيقة أنا لا أدري من تولى مسؤولية إعداد ومعالجة صياغة هذا الخطاب، غير أنه يبدو مختلفاً جداً من تلك الخطابات التي كان يساهم في صياغتها في سنوات سابقة رجال مثل الأستاذ “علي عثمان محمد طه” والمحامي والوزير السابق “عبد الباسط صالح سبدرات”.
} صحيح أن الخطاب الذي تابعته الملايين داخل وخارج السودان، ولا حاجة لنا هنا للتفصيل في نصه، عبارة عن (مادة فلسفية) عميقة تستشهد بالماضي القريب والبعيد، وتحلل الواقع السياسي، وتنطلق نحو (علامات) المستقبل، إلاّ أنه بدا (معقداً) من ناحية اللغة وتركيب الجمل والمفردات، تغيب عنه مسحة الأدب وسلاسة الشعر، وبهارات الخطابة الجماهيرية المحمودة جداً في كلمات الزعماء في بلاد (لغة الضاد) على مر العصور والعهود.
} كما أن الخطاب لا يشبه – إطلاقاً – شخصية الرئيس “البشير” (الواضحة جداً) و(المباشرة) التي تتجلى في كلماته الجماهيرية (المرتجلة)، ولهذا فإن الذين شاركوا في تجهيز وصياغة هذا الخطاب من (الدسك) المكلف بإعداد وثيقة الإصلاح (الوثبة)، لم يراعوا أهمية (المقاربة) بين شخصية وطريقة الرئيس في التعبير – وهو صاحب هذا الخطاب – واللغة التي صيغ بها، حيث بدوا وكأنهما ضدان.
} على أية حال، فإن مشهد (الحضور الرفيع) الذي تحلق داخل القاعة حول خطاب الرئيس، ولأول مرة، منذ (أربع وعشرين) عاماً طويلة، لهى (المفاجأة) الأساسية الكبرى، إذ لم يحدث أن اجتمع “البشير” و”الصادق المهدي” والدكتور “حسن الترابي والأستاذ “علي عثمان محمد طه” والدكتور “نافع علي نافع” والدكتور “غازي صلاح الدين”، والفريق “عبد الرحمن سعيد” نائب رئيس (التجمع الوطني) المعارض سابقاً، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، بالإضافة إلى نجلي السيدين العميد “عبد الرحمن الصادق” و”جعفر محمد عثمان الميرغني” والدكتور “جلال الدقير” والدكتور “منصور خالد”، لم يحدث أن اجتمعوا تحت سقف واحد في ساعة واحدة، حتى في بيوت الأفراح والأتراح التي تعود السودانيون أن يتصافوا فيها بعيداً عن إحن ومحن ومرارات السياسة وحروبها.
} شارك الإمام “الصادق المهدي” في العديد من اللقاءات والاجتماعات تلبية لدعوة من الرئيس “البشير”، ولكن الشيخ “الترابي”، لم يدخل قاعة الصداقة، ولا أي قاعة أو غرفة (حكومية) منذ نهايات العام 1999، أكثر من (14) عاماً مريرة!!
} المفاجأة كانت أن (تنازل) “الترابي” وقبل حضور خطاب الرئيس “البشير” وجهاً لوجه، وإلى جواره نائبه “عبد الله حسن أحمد” وأمين قطاعه السياسي الناطق باسم (تحالف المعارضة) المحامي “كمال عمر عبد السلام” ومدير مكتبه “تاج الدين بانقا”.
} وفي رأيي أن هناك (اتفاقاً) غير مكتوب تم بعيداً عن الأضواء وخارج مؤسسات الحزبين (الوطني) و(الشعبي)، بين (الرئيس) و(الشيخ)، أسفر عن إطلاق سراح معتقلي (الشعبي)، وأبرزهم كادر (العمل الخاص) “يوسف لبس” الذي ظل “الترابي” يصر على إطلاق سراحه لسنوات، ثم قبل يومين أعلنت السلطات الأمنية عن إطلاق سراح صحيفة (رأي الشعب)، الموقفة منذ (3) سنوات ولكن هل سيسري على (رأي الشعب) ما يسري على بقية الصحف من (محددات) و(خطوط حمراء)، أم أنها ستخرج محمية بضمانات اتفاق (الرئيس) و(الشيخ)، أم أن صدورها مرتبط بتطبيق وثيقة الإصلاح السياسي وإفساح الحريات العامة خلال الأسابيع القادمة؟!
} نجح السيد الرئيس والطاقم المساعد في (المؤتمر الوطني) و(القصر الجمهوري) في إقناع السيد “الصادق المهدي” والدكتور “حسن الترابي” بأن يكونا شاهدين على خطاب الرئيس، ولا شك أن تأكيد حضورهما سبقه (عمل) كبير، وليست مجرد دعوة، بينما غاب (الشيوعيون) و(البعثيون) بحجة أن الدعوة لم تصلهم، وهذا رد ضعيف، لأن الذي ذهب بالدعوة إلى (جميع) القوى السياسية لا يمكنه أن يستثني الشيوعيين والبعثيين، والهدف الأساسي من تنظيم هذا اللقاء أن يكون جامعاً.. مانعاً لا يغادر أحداً.
} كان الشيخ “الترابي” كعادته النجم الأول في هذا اللقاء، أولاً لأن (غيابه طال)، وثانياً لأنه مشهور بإطلاق التصريحات (النارية) المباشرة رغم طبيعته (الفكرية) ورؤاه (التنظيرية) احتشد حوله العشرات من الصحفيين والإعلاميين، فاحتاج إلى زمن طويل للخروج من القاعة!!
} قادة حزب (الإصلاح الآن) كانوا هناك، فجاء، د.”غازي صلاح الدين” و”حسن رزق” و”الدعاك” وحجزت (المراسم) ثلاث مقاعد متجاورة للترابي والصادق المهدي وغازي صلاح الدين، يمين نائب الرئيس “حسبو عبد الرحمن”، ويسار مساعد الرئيس “جعفر الميرغني”، وفي الصف الأول جلس “علي عثمان” وعلى مبعدة منه “نافع علي نافع”، و”أحمد إبراهيم الطاهر” والفريق “عبد الرحمن سعيد” من الحزب الاتحادي (الأصل)، والدكتور “جلال الدقير” و”حسن هلال” و”أحمد علي أبوبكر” من الحزب الاتحادي ورئيس البرلمان الدكتور “الفاتح عز الدين” والدكتور “منصور خالد” والمهندس “إبراهيم مادبو” رئيس حركة التحرير، ومساعد الرئيس “موسى محمد أحمد” والدكتور “الحاج آدم النائب السابق” كما جلس مبكراً في المقدمة الدكتور “مصطفى عثمان”.
} دخل الرئيس إلى القاعة بصحبة البروفيسور “إبراهيم غندور” عند التاسعة وعشر دقائق، فيما بدأ تلاوة الخطاب عند التاسعة والربع.
} جلس رؤساء الصحف والتحرير في أقصى يمين المنصة، وجوارهم أعضاء السلك الدبلوماسي، وبرز منهم، سفير المغرب عميد السلك الدبلوماسي العربي بالخرطوم، وسفير الإمارات العربية المتحدة وسفير المملكة العربية السعودية، وسفير الجزائر، والسفير الإيراني وعدد كبير من الدبلوماسيين العرب والأوربيين والأفارقة.
} جلست نائبة رئيس البرلمان الأستاذة “سامية أحمد محمد” مع رؤساء التحرير، وكذلك فعل وزير الدولة للإعلام الأستاذ “ياسر يوسف” وبدا ظاهراً في التنسيق والإشراف الأستاذ “مجدي عبد العزيز” مسؤول دائرة الصحافة بالمؤتمر الوطني ونائب مدير مراسم الدولة، والمهندس “قبيس أحمد المصطفى” نائب أمين الإعلام بالحزب الحاكم.
} وزيرة العمل “إشراقة سيد” كانت تشكل حضوراً لافتاً، ووقفت خارج القاعة تبادل الحديث مع زميلها (السابق) بالوزارة وزير الدولة الذي غادر الموقع “أحمد كرمنو”. الرجل بدا سعيداً وممتناً للعاملين بوزارة العمل وتنمية الموارد البشرية الذين كرموه في احتفال كبير ومميز.
} رئيس تحرير الزميلة (المشهد الآن) الأستاذ “نور الدين مدني” همس لي متسائلاً (مافي ضيافة.. لا موية.. لا فول مدمس؟!) قلت له (أصبر.. البرنامج لم يبدأ ربما يأتي المضيفون لاحقاً).. ولكن صدق حدس “نور الدين” (لا موية.. يا كافي البلا.. ولا فول مدمس)!!
} “حسين خوجلي” بدا مرتاح البال، وهو يأتي مبكراً، ويختار مقعداً أمامياً جوار “الكرنكي” و”أحمد البلال”، قلت له: (الليلة ما عندك برنامج؟!) قال لي: (بعد خطاب الرئيس)!! يا ترى ماذا قال “حسين خوجلي” تعليقاً على الخطاب؟! كلام واضح.. ولا (ملكلك)؟!
} كل (مفاجأة) وأنتم بخير.