حوارات

(المجهر) في أول حوار مع البروفيسور "عبد الرحيم علي" 1

البروفيسور “عبد الرحيم علي” السياسي المطبوع والقيادي في المؤتمر الوطني، ومدير معهد الخرطوم للغة العربية للناطقين بغيرها، رغم ابتعاده عن السياسة لكنه داخلها بأي شكل من الأشكال، ولم يبتعد كثيراً فهو متابع جيد لها، خاصة الأحداث التي تجري على الساحة السياسية والمتعلقة بانفصال الجنوب وانعكاساته على الاقتصاد السوداني، لذلك كان لابد من الجلوس إليه لمعرفة رأيه حول كثير من تلك الموضوعات المتعلقة برفع الدعم عن المحروقات، ومدى تأثيره على المواطن السوداني، وكيف يقرأ الواقع السياسي في ذلك؟ وما الذي دفع الجنوبيين لاستعجال الانفصال؟ هل الظلم والغبن واحد من تلك الدوافع؟ وما مصير المفاوضات بين الشمال والجنوب بأديس أبابا؟ وهل يتوقع أن تفضي إلى سلام دائم؟ وغيرها كثير من الأسئلة التي طرحناها على البروفيسور “علي” فلنترك القارئ يتابع الجزء الأول من حوارنا معه..

{ أين أنت مما يجري على الساحة السياسية وما هو تقييمك للوضع الآن؟
– ما يجري في تقديري هو مرحلة، وأكثر عامل مؤثر فيها هو الانفصال، وما ترتب على ذلك من آثار اقتصادية ونفسية وربما قانونية. وانفصال الجنوب ليس بالحدث الصغير، وحرب الجنوب الطويلة تركت آثاراً سالبة على الشمال، منها تكوين الحركات المسلحة بعدة أقاليم. وانفصال الجنوب أحدث خسارة في جزء من ميزانية الشمال مما ترتب على ذلك الآثار الاقتصادية المعروفة. لذا أقول إن المرحلة الآن مرحلة انتقالية، وستنتهي إلى سلام مستدام وإلى صيغة ترضي السودانيين بمبادئ والتزامات محددة تحدد الواجبات والحقوق، وهو ما نسميه بالدستور، وهي الصيغة التي تحدد علاقة المركز بالولايات وكيفية الانتقال السلمي في السلطة. وهذه الأشياء رغم أنها موجودة في شكل دستور، لكن التراضي الكامل عليها لم تبلغه المرحلة، بمعنى أن هناك أجزاء من الولايات وحركات مسلحة لم تبلغ بالاتفاقيات التي وضعت في أبوجا أو نيفاشا أو الدوحة، ولابد أن تصبح أمثال هذه الحركات المسلحة خارج صيغة الاتفاق، بمعنى أن يلصق الخط الفاصل بين ما هو عمل دستوري مشروع وبين ما هو عمل غير دستوري. وفي السنوات الماضية، بسبب الحرب، هذا الخط لم يكن واضحاً حتى عند كثير من السياسيين، فمن لم يجد طريقاً سلمياً للسلطة اختار طريق الحرب، وإن وجُد هذا في أي بلد من البلدان فلن تنعم بالاستقرار.
{ مضى عام على الاستفتاء وحدثت مواجهات عسكرية عنيفة بين الدولتين.. بعد كل هذا هل أنت متفائل بالاستقرار؟
– إحساسي وشعوري في المرحلة الانتقالية بعد الانفصال أنه من الطبيعي أن تمتد آثار الحرب، وربما يصل انعدام الثقة إلى عدة سنوات، والسلام لا يمكن إحرازه في لحظة حاسمة، لابد من عمل اجتماعي يتم في فترة زمنية قد تطول أو تقصر، ولكن في النهاية لابد من الوصول إلى سلام. والسبب الذي جعلني اعتقد أن السلام ضروري هو أن الجنوب لابد أن يدرك عاجلاً أم آجلاً أن العلاقة مع الشمال حتمية، وأن العلاقة السلمية بين البلدين حتمية، فالجنوب الآن يعاني من مشكلات كثيرة، حتى الحليف الإستراتيجي (إسرائيل)، بما قدمته من إغراءات، هناك بوادر توتر بينهما، وتوجد بوادر توتر في العلاقات مع يوغندا، وهذا يعني أن العلاقة السلمية والطبيعية بين دولتي الشمال والجنوب هي الأفضل.
{ إذن لماذا تعجل الجنوبيون في الانفصال؟
– اعتقد أن العامل الأكبر في عملية الانفصال ليس عجلة الجنوبيين ولكن الأجندة الأجنبية، والحركة الشعبية هي التي قادت الجنوب للانفصال، فقد نشأت في أحضان الأجنبي وغذيت بالسلاح والدعم الدبلوماسي والسياسي. لذلك في المرحلة الأخيرة من اتفاقية السلام كان عدد كبير من أعداء السودان يشرف على التطور اليومي لتنفيذ اتفاق نيفاشا، والأجنبي هو الذي اختار للجنوب الانفصال، وهؤلاء من خلال جمعياتهم أشرفوا على نقل الجنوبيين إلى الجنوب حتى يتم الاستفتاء وهم في مناخ الانفصال. ونعرف أن عملية الاستفتاء كانت معيبة، ولكن ليس بيد الشمال أن يوقف تيار الانفصال.
{ هل تعتقد أن الظلم والغبن كانا من أسباب هذا الاستعجال للانفصال؟
– الغبن حقيقي وقديم، واتفاقية نيفاشا وقعت لترفع هذا الغبن، لذلك تمت إجراءات كثيرة لبناء الثقة. وإذا نظرنا إلى دولة السودان نجدها وافقت على شيء غير مسبوق في الاتفاقيات الدولية، وهو أن يعطي حق تقرير المصير لجزء منه، وهذا في العادة لا يتم داخل دولة واحدة وإنما يتم في الدول المستعمرة أو المحتلة، ولا أحد يستطيع أن يقول إن السودان قد احتل جنوبه فخريطة السودان هي نفس خريطة السودان التي ورثناها من الاستعمار، والاستعمار ورثها من التاريخ، بل العكس فإن الجنوبيين عشية الاستقلال قرروا مصيرهم واختاروا في مؤتمر 1948م أن يكونوا جزءاً من السودان الشمالي، وهذا كان باختيارهم، ومع ذلك وبعد كل تلك السنين أُعطي الجنوب حق تقرير مصيره، وكل ذلك من أجل وقف الحرب، لكن اتضح أن الأجانب يرغبون في استمرار الحرب حتى بعد الانفصال.
{ هل تتحمل الإنقاذ مسؤولية هذا الانفصال؟
– الإنقاذ لا تتحمل مسؤولية الحرب التاريخية أو نيفاشا، فالجنوبيون مُنحوا الحق في تقرير مصيرهم فإما السلام أو الانفصال، وفي ذلك ما يشبه الإجماع لأن الحكومة والمعارضة وعدت قرنق بالموافقة على تقرير المصير، وهذا موثق وموجود، لكن الإنقاذ اجتهدت في سنوات الانتقال الست، وصرفت أموالاً طائلة في الجنوب بغية تحقيق الوحدة الجاذبة.
{ هل كان بالإمكان تجنب عملية الانفصال؟
– كان هناك تقويم مختلف لتطور الأحداث، فالبعض كان يعتقد أن الانفصال نتيجة حتمية، وإن ما يقوله الجنوبيون في المجالس الخاصة غير الذي يقولونه على المنابر الإعلامية، هناك كان كبار الجنوبيين يشيرون إلى تطمينات، بأن الوحدة قادمة، وبعض الشماليين أكدوا أن الانفصال قادم، والحكومة لم تعط وزناً لبعض الآراء التي كانت تطالب بالعدول عن الاتفاقية قبل فوات الأوان، ولكن هذا لم يكن ممكناً لأنه يعني عودة الحرب من جديد، وعودة الحرب ستأتي بالدعم الأجنبي، باعتبار أن السودان لم يف بوعوده الدولية، لذلك الحكومة كانت مضطرة للمضي في الطريق الذي مضت فيه. بعد الاحتراب والهجوم على “هجليج” فُتح نفق للسلام من خلال لقاءات أديس أبابا بين الشمال والجنوب.
{ هل تتوقع أن تفضي تلك الاجتماعات إلى سلام؟
– لست متابعاً ما يجري في أديس أبابا ولا عملية التفاوض بين وفد الحكومة ودولة الجنوب، لكن آخر التقارير تشير إلى أن هناك تقدماً في التفاوض، واعتقد أن الذي يحكم نتيجة المفاوضات حالة الضرورة في الجنوب أكثر منها في الشمال، والجنوب لن يستطيع الوقوف على رجليه إلا بتحقيق السلام.
{ فقد الشمال لبترول الجنوب أثر عليه اقتصادياً وجرت مطالبات برفع الدعم عن المحروقات حتى ينصلح حال الاقتصاد.. فهل تعتقد أن رفع الدعم عن المحروقات سيساعد في إنعاش ميزانية الدولة؟
– أنا لست اقتصادياً، لكن ما أسمعه من الاقتصاديين أنه ليس هناك مخرج إلا برفع الدعم عن المحروقات، وإلا ستكون الآثار أكثر تدميراً، ويمكن أن يحدث ما هو أخطر من الغلاء والصعوبات التي يواجهها الناس الآن، فالمسؤولون الاقتصاديون في الإنقاذ يعترفون بأن هناك صعوبات واقعة على المواطن، ويقولون إن تلك الصعوبات مؤقتة ومن بعد ذلك سيتعافى الاقتصاد السوداني. وفي ظني أن هناك قدراً من الصحة في هذا الحديث، وقد استمعت إلى مثل هذا الشرح عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، ويبدو أن السودان مضطر في مواجهته مع الجنوب إلى الصبر، ومن يصبر سيكسب المفاوضات، بمعنى أن هناك ضغوطاً على الشمال لكي ينهار، وإذا انهار سيستسلم لإملاءات الجنوب، والاستسلام للجنوب هو استسلام لإسرائيل، لذلك لابد أن يصبر السودان الشمالي.
{ أجرت الحكومة تخفيضاً للوزراء ووزراء الدولة وأعفت مستشاري رئيس الجمهورية.. هل سيحل هذا المشكلة الاقتصادية؟
– الاقتصاديون يقولون إن المسألة نفسية، فالصرف الدستوري ليس كبير الحجم.
{ هل ستُرضي الحكومة التي جرى تشكيلها مؤخراً الشارع؟
– أياً كان تكوين الحكومة فهو ليس له علاقة كبيرة بالقضايا الاقتصادية، فالخطة الاقتصادية يضعها الاقتصاديون ويتم تنفيذها بواسطة وزير المالية، أما الوزارات الأخرى فلا أتصور أن تشكيلة الحكومة ستكون مرضية للشارع مع استمرار الغلاء، فالمسألة معالجات نفسية. وأيضاً لا أشعر من خلال معرفتي بالشارع بوجود حلم في أذهان السودانيين للوزراء الذي يريدونهم، فالشعب يريد فعلاً من قبل الوزراء، والذي يفعل في وزارته فعلاً مرضياً هو الذي ينال رضا السودانيين، ولا أظن المواطن غير راضٍ عن التطور الذي حدث في مجال النفط وفي الكهرباء، فهناك تطور كبير حدث في البنية التحتية، وهناك جدية واضحة في مجالات مختلفة وقد لاحظها المواطن، ولا اعتقد أنه غير راضٍ عنها.
{ ما الذي دفع المواطن للخروج إلى الشارع؟
– إن كنت تقصد التظاهرات الأخيرة، فاعتقد أن هذه التظاهرات جرى الترتيب لها بقدر كبير وخططت لها المعارضة. ورغم أن الدافع للخروج كان الزيادة في الأسعار والمواطن كان يشعر بأن تلك الزيادات بلغت حداً صعباً، لكن هناك عاملاً آخر متعلق بالتخطيط والتحريك المتعمد للشارع، ووثيقة المعارضة شاهد على ذلك ، ثانياً النموذج العربي الحاضر في أذهان كثير من الشباب، الذين يعتقدون أن السودان تأخر كثيراً وينبغي أن يلحق بركب الآخرين الذين أحدثوا تغييراً في بلدانهم، لكن هذا العامل عامل وهمي، فإذا نظرنا إلى كل بلد من البلدان العربية التي حدث فيها التغيير كمصر وتونس وليبيا واليمن فكل بلد من تلك البلدان له ظروفه وقضاياه، وقضيتنا ليست كقضية مصر أو تونس أو ليبيا، فقضيتنا الكبرى هي وحدة السودان وتماسكه بعد أن انفصل الجنوب، وضمان وجود انتقال سلمي في السلطة وشورى بين الناس. وفي تقديري أن المعارضة كانت تنتظر لحظة رفع الدعم عن المحروقات لتحريك الشارع بغرض تغيير الحكومة، لكن من الأفضل للمعارضة أن تغير الحكومة من خلال صناديق الاقتراع.
فالانتخابات التي طالب بها المصريون والليبيون والتونسيون متاحة من خلال التعدد الحزبي وليس ترشيح الشخص الواحد، فهي متاحة لأي عدد من المرشحين، والقيود المفروضة على الترشيح لرئاسة الجمهورية في القانون السوداني ليست أقل تسامحاً من أية دولة أخرى، بمعنى أن القانون المصري لا يسمح إلا لمن له عدد كبير من المؤيدين وفي المراحل المختلفة، وهذا في السودان لم يكن موجوداً، فما يتطلبه الربيع العربي موجود، لكن يجب أن تكون هناك أحزاب تعرف نفسها كبديل حقيقي وتضمن أنصاراً وانتخابات حرة، وضمان الانتخابات الحرة في السودان سهل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية