الديوان

(ستات الشاي) .. تحول (البنابر) إلى منابر!

أصبحت جملة (نتلاقى المسا في شارع النيل) أو مع (ست الشاي) في طرف الشارع، جملة يتداولها معظم الشباب يومياً، وذلك بغرض الخروج من الرتابة والملل للقاء الأصدقاء بعيداً عن رسمية العمل والدراسة.. والجلوس بجانب (ستات الشاي) يعدّ نافذة للخروج من ضيق الحياة ومعاناتها، بل قد يضيف الكثير من الاستقرار الاجتماعي والنفسي.. وبغض النظر عن مكان (ست الشاي) نتساءل قليلاً هل ستكون جلسات (ستات الشاي) امتداداً للمقاهي القديمة التي كانت ملتقى المثقفين والرياضيين والعمال ومكان وميلاد القصائد والأغنيات؟؟
المقاهي القديمة نكهة الثقافة بـ(الهبهان)
لم تكن المقاهي مجرد أمكنة للتسلية وتزجية الوقت، وإنما كانت بمثابة أندية ومنتديات تؤمها النخب وتضم بين ثناياها ألوان الطيف السودانية كافة، وتضج بين جنباتها الحكايات والطرائف، يطوف أصحابها بالعديد من المقاهي، وذلك لتسلية الزبائن والترفيه عنهم وأخذ (البقسمها الله).
ورغم سحب البساط من تحت مقاعد المقاهي وفرشه تحت (بنابر ستات الشاي) إلا أن هناك الكثير من المقاهي التي تبقت كما هي مثل (قهاوي العمال والصنايعية)، ومحافظة على طرازها القديم خاصة في الولايات المختلفة..
وقد تحدث الموسوعة الأمدرمانية “شوقي بدري” في إحدى كتاباته عن (قهاوي أم درمان) فقال: (إن المقاهي كانت أنواعاً، الصغيرة التي في شكل دكان لتزويد الناس بالشاي والجَبَنة والينسون والزنجبيل، كما في سوق الشوام، الملجة، سوق المراكيب وسوق العدة والطواقي، وهذه المقاهي تغلق في المساء، وعادة يذهب الجرسونات بالصينية إلى الدكاكين ثم يجمعون الجَبَنة والكبابي بعد الفطور. وهنالك قهاوي (مشروب وملعوب)، أي يمكن الجلوس فيها ولعب الطاولة وغيرها من الألعاب، وعلى رأسها كانت (قهوة شديد) و(قهوة ود الآغا) و(قهوة مكي) و(قهوة السماني ومهدي حامد)، وأيضاً (قهوة جورج مشرقي) التي أطلق منها اسم (سوق الموية) اللواء “حمد النيل ضيف الله” وبعض أصدقائه, فعندما تضايق العم “جورج مشرقي” من الذين يجلسون في القهوة ويصفقون وعندما يأتي الجرسون يكتفون بالقول (بالله جيب لي موية), قال: (الحكاية أيه نحنا بنبيع مويه؟؟ إنتو فاكرين شنو دي قهوة مش سوق موية)!! وصارت جملة للمزاح. وعرفت المنطقة بـ(سوق الموية)،
أما (قهوة مهدي حامد) فكانت تمتلئ بكل أنواع الناس ويجتمع فيها كثير من الفنانين والعازفين قبل الانطلاق إلى الحفلات كنقطة تلاقٍ.. ومن روادها كان الراجل الرائع فنان “مدني عوض الجاك”، و”ميرغني المأمون” و”أحمد حسن جمعة”).
{ “سعيدة”.. ريحانة شارع البرلمان
تجلس “سعيدة” (ست الشاي) على الحائط الجنوبي لمعهد الدراسات الآسيوية والأفريقية ودار النشر تصحبها ابتسامة تظلل شارع الدراسات العليا، وعند غيابها تضيع معالم الشارع عن مرتاديه لأنها أصبحت قبلة لكل الطلاب وصفوة المثقفين، وتحكي “سعيدة” بدايتها مع عمل الشاي فقالت: (بدأت في العام 1995م من داخل معهد الدراسات الإنمائية فازداد عدد زبائني بصورة ملحوظة.. وعلاقتي مع أولاد الداخلية علاقة أم بأبنائها أرعاهم جميعاً.. وأصبحت عين الأسرة عليهم من هنا.. أساعدهم في كل ما يحتاجون.. علاقتي بهم أسرية ونتزاور في الأفراح والأتراح.. (والأولاد ديل ساعدوني في بناء منزلي) وعند مناسبة (عيد الأم) و(يوم المرأة العالمي) تأتيني الهدايا كل عام من زبائني وأبنائي الذين أكاد أجزم أنهم صفوة ومثقفون يتناقشون في أمور مهمة و(فيهم ناس كتار مهمين) منهم د. “جعفر طه”، د. “عطا البطحاني”، د. “الكرسني”، المستشار “حسن إبراهيم” والأخ “محمد أحمد سليمان” الذي له فضل كبير جداً على حياتي، إضافة إلى الشباب (ناس قدورة، إسماعيل وعامر وغيرهم).
وفي ختام حديثها ذكرت بأنها محظوظة جداً لأنها عملت بين هؤلاء الذين أضافوا إليها الكثير من المعلومات، وتتساءل “سعيدة” لو أنها كانت في مكان غير هذا فهل ستجد كل هذه الحظوة؟؟
{ “حليوة”.. منتدى المثقفين
الذي يقصد “حليوة” أو “مدينة عبد الله آدم” بشارع المك نمر وخلف جدران معهد جوتة الألماني، بالطبع لم يكن سيقصدها لـ(شرب الشاي بالزلابية) فقط، بل لتلقي جرعات ثقافية شفاهية تغنيه عن رهق القراءة، لأنها ملتقى للمثقفين والإعلاميين.. وقد حلقت شهرة “حليوة” خارج نطاق الوطن، وأصبح المغتربون يمنون أنفسهم بشرب شاي المغرب عند “حليوة”.. عندها أُعلن ميلاد العديد من القصائد والعروض المسرحية والمعارض التشكيلية والأفلام السينمائية، فأصبحت معبراً للتثاقف بين الأجيال يحكي عن راهن البلاد السياسي والإبداعي، لأنها تجلس في هذا المكان لأكثر من عشرين عاماً وجُل أمانيها توفيق أبنائها وأن تحافظ على دورها الرائد هذا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية