قطار (الفصل السابع) .. هل يقود الجنوب إلى حظيرة الوصاية الدولية؟!
يبدو أن الصراع الدامي في جنوب السودان الذي بدأ منتصف ديسمبر الماضي بين قوات الرئيس “سلفاكير ميارديت” وقوات نائبه السابق الدكتور “رياك مشار”، على خلفية اندلاع قتال بين وحدات مختلفة من الحرس الرئاسي في العاصمة جوبا، امتد لاحقاً إلى أنحاء أخرى من البلاد، والذي جاء تجسيداً لاحتقان سياسي طويل، ومتجذر داخل (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، الحزب الحاكم هناك، يبدو أن هذا الصراع في طريقه للدخول إلى محطته النهائية بعد أن استعصى (الفتق) على مجموع الراتقين الإقليميين الذين تورطت دول بعضهم بشكل أو آخر في الصراع المسلح، بعضها بشكل مباشر مثل يوغندا التي أعلنت بوضوح أن قواتها ساهمت في تحرير مدينة (بور) وقامت بدحر المتمردين، وبعضها عبر الدعم السياسي.
{ صراع سياسي
وفيما يرفض مراقبون توصيف الحرب الدائرة في دولة جنوب السودان بـ(الإثنية) ويدللون على ذلك بأن مجموعة المعتقلين السياسيين الذين يطالب “مشار” بإطلاق سراحهم قبيل توقيع اتفاق في أديس أبابا لوقف الحرب ينتمي معظمهم إلى قبيلة (الدينكا)، ومنهم “مجاك أقوت” نائب وزير الدفاع السابق، و”دينق ألور كوال” وزير مجلس الوزراء السابق وعضو المكتب السياسي للحركة الشعبية، و”قير شوانق ألونق” وزير الطرق والمواصلات السابق، و”مدوت بيار” وزير الاتصالات السابق، و”خميس عبد اللطيف” مستشار وزير الداخلية السابق، إلا أن الصراع نفسه تفجر بشكل عنيف ومفاجئ وأذهل العديد من المراقبين، فالمقاتلون من طرفي الصراع هم في حقيقة الأمر ثوار، قاتلوا في سبيل قضية يؤمنون بها لسنوات طويلة قدموا خلالها تضحيات جسام حتى نالت دولتهم استقلالها وفقاً لتوصيفهم الجنوبي لحال الدولة التي انضمت للأمم المتحدة بوصفها الدولة رقم (193)، حتى هبت رياح الخلاف الداخلي لتضع ثمار تلك الشجرة أمام عاصفة هوجاء باتت تهدد وجود الدولة بكامله.
{ الفتق والراتقون
وفي توصيفه لحال التدهور الكبير الذي تشهده دولة جنوب السودان، يصف المحلل السياسي الدكتور “عبده مختار” الوضع في الجنوب بالمأزوم، ويشير إلى تدخل الأطراف الإقليمية مثل يوغندا، وبالتالي فإنه يعدّ ذلك مؤشراً لنذر صراع إقليمي في المنطقة، الأمر الذي سيوصل إلى تدويل القضية ما لم يتوصل الطرفان إلى حل، فينفتح باب وحيد للحل وهو أن يأتي قرار من مجلس الأمن في حال إحالة الملف إليه من قبل الوساطة الأفريقية، بهدف حماية المدنيين. ولأن عدد الضحايا مرتفع ما يجعل التدخل واجباً لتوفير الإغاثة، وإنشاء منطقة عازلة بين الأطراف، وإجبار المتصارعين على الجلوس إلى طاولة التفاوض.. لهذه الأسباب الإنسانية والوضع المأزوم- يضيف “مختار”- ستخرج القضية من يد الدول والقوى الإقليمية، التي سترفع يدها في خاتمة المطاف وتترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للتدخل الأممي لوقف الموت والنزوح كإجراءات عاجلة، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار كأولوية سيتم فرضها على الفور.. فيما يرى العميد أمن (م) “حسن بيومي” أن بعض أطراف الـ(إيقاد) انحازت لأحد طرفي الصراع، وتجلى ذلك بوضوح في انحياز يوغندا وتدخلها عسكرياً، ويعد ذلك السبب الرئيسي لفشل الوساطة الأفريقية.
{ عائدات النفط تخرج من يد الحكومة
ويرى المحلل السياسي الدكتور “صفوت فانوس” أن الهدف من إحالة قضية الجنوب إلى مجلس الأمن هو أن يصدر قرارات ملزمة للطرفين المتصارعين مدعومة بفرض عقوبات تتدرج، بحيث تبدأ من العقوبات السياسية ثم تشمل الاقتصادية، أو عقوبات ضد الأفراد بما فيها حظر السفر أو تجميد الأموال أو الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتصل أخيراً إلى إرسال قوات مسلحة. وبما أن الاتحاد الأفريقي لا يملك هذا الحق فإن مجلس الأمن يمتلكه تحت (الفصل السابع)، وبالتالي يصبح التدخل الأجنبي ليس طوعاً أو اختياراً أو بمزاج الأطراف المتصارعة، بل يصبح ملزماً ومفروضاً على جميع أطراف الصراع. ويضيف “فانوس”: (لا أتوقع أن أياً من الدول الخمس الكبرى ستستعمل حق النقض ضد القرار الأممي، لأنه لا يوجد انقسام حول قضية الجنوب في مجلس الأمن كما هو حادث في القضايا الأخرى مثل القضية السورية، وبما أن الحل الداخلي والإقليمي فشل، وبات العنف في تزايد مستمر وباتت الدولة الجنوبية مهددة بالتفتيت، فإن مجلس الأمن هو الحل)، ويتوقع الدكتور “صفوت فانوس” ومراعاة لمصالح دولة مثل الصين التي تستثمر هناك في مجال النفط، فإن القرار في حال صدوره سيلزم طرفي الصراع بضمان استدامة تدفق البترول، إلا أن عائداته لن تكون بيدي الحكومة الجنوبية أو المتمردين، بل ستوضع في صندوق يتبع للأمم المتحدة.
{ (الفصل السابع) للأمم المتحدة
ويعدّ مجلس الأمن الدولي المؤسسة الوحيدة في العالم التي لديها الحق في التدخل العسكري، وذلك وفقاً لـ(الفصل السابع) من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتعلق بما يُتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، حيث تقول المادة (39) منه (يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين “41” و”42″ لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه)، فيما تحدثت المادة (40) أنه (ومنعاً لتفاقم الموقف، فإن لمجلس الأمن، قبل أن يقدم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة “39”، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يتحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة)، وقالت المادة (41) بجلاء إنه (يحق لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، كما يجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللا سلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية)، فيما نصت المادة (42) على أنه (إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة “41” لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال التظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة).
{ الحكم تحت الوصايا الدولية
وفي حال أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بالتدخل في الجنوب وفقاً لـ(الفصل السابع)، فإن الجيوش الأممية ستدخل إلى الجنوب للسيطرة على الأوضاع. وهنا يتوقع الخبير الأمني “بيومي” أن تكون الخطوة التي تليها مباشرة هي وضع هذه الدولة (تحت الوصاية الدولية)، بعد أن تكون القوات الأممية قد عملت على نزع أسلحة طرفي النزاع الجنوبي كأولى مهامها هناك.. وثاني مهامها هو بسط نفوذها على كامل أراضي الجنوب، بحيث لن تحتاج إلى إنشاء (مناطق عازلة) لحماية المدنيين، ثم تعمل على إدارة هذه الدولة.. ويتوقع في هذه الحالة أن تنشب أزمة حول النفط، بعد أن تكون الصين قد صوتت سلفاً لقرار مجلس الأمن القاضي بالتدخل الأممي، وذلك حفاظاً على مصالحها النفطية.. ويضيف: (هذا التدخل الأممي سيمنع تدخل الأطراف الإقليمية مرة أخرى في صراع الجنوب، كما أن هذه الدولة ستُحكم سياسياً مثلما حدث في العراق عقب الاحتلال الأمريكي، التي حكمها “بول بريمر”، ثم يجري بعدها ترتيب للعملية العسكرية والسياسية وفقاً للوصاية الدولية، بعد تجريد الجيش الشعبي من السلاح وإلغاء المليشيات العسكرية بشكل كامل).