أخبار

إعلامنا والجنوب !

لفت نظري واستوقفني في تطورات الوضع بدولة جنوب السودان وسير الأحداث أن الصحافة السودانية تتابع المسألة في جانب الأخبار والتغطيات الميدانية نقلا عن الوكالات الإخبارية العالمية والفضائيات وغاب إلى حد ظاهر اعتماد وسائطنا الإعلامية المحلية بما في ذلك الفضائيات على العمل الخاص المرتبط بوجود مراسلين من الجنوب او حتى مصادر ميدانية على الأرض من غير الإعلاميين ، وقطعاً فإن أسبابا موضوعية حتمت ذلك لا تنفصل عن شكل العلاقة القائمة مع دولة الجنوب بعد الانفصال وحالة القطيعة والتوجس التي طالت الإعلام بين البلدين بيد أن هذا الوضع مستقبلا وحال استقرار الأوضاع يتطلب أن تتجه الخرطوم للتفكير الجاد في مد جسور التواصل مع الجنوب إعلامياً بما يجعلها المحطة الأقرب لواقع ذلك البلد الجار.
الإذاعة السودانية تفوقت على الجميع وكان برنامجها (صدى الأحداث) منبراً مفتوحاً بالصوت والمعلومات للناطق باسم الجيش الشعبي “فيليب أقوير” وللناطق باسم الحكومة (وزير البث) ومرات عديدة منحت مساحات لوزير الخارجية برنابا (هذا الرجل يمتلك قدرات إيضاحية بديعة ومقنعة) وقد شكلت المتابعات الإذاعية تلك نافذة سلطت الضوء على الحدث بشكل مهني ومنضبط، وقد شكلت مخرجات ذاك البرنامج رفداً طيباً للمتابعة الإخبارية للصحف وأعتقد أن وجود بث بالإنجليزية أو نسخة من البرنامج في مثل هذه المناسبات إجراء مهم وضروري لأنه وبحسب رصدي فقد سبقت (أم درمان) كل المحطات ونقلت صوت أولئك المسؤولين الجنوبيين للعالم ثم لحقها الآخرون.
في ذروة تصاعد الأزمة تواصل معي نفر كرام من العاملين في محطات عالمية أمريكية وأوربية يبحثون عن مفاتيح ومصادر لتفاصيل ما يجري وكان منطقهم أن الإعلاميين بالخرطوم هم أقرب الطرق والمعلومات لجوبا وهذا يصح مفهوماً لكنه واقعاً غير ذلك وإن كنت أعتقد أن ثمة إفادات كثيرة وخزائن أسرار ومعلومات وشخوص معاصرون لكل أطراف الصراع الجنوبي من شأنهم تقديم صورة تقريبية لتوزيعات القوى هناك وخلفيات كل طرف فقائد مثل “بيتر قديت” و”مشار” و”سلفاكير” نفسه وغيرهم كانوا جزءاً من خارطة السودان العسكرية وهو ما لم يوظف بشكل أوضح في المعالجات الصحفية الأخرى بخلاف الأخبار لتطورات الأمور جنوباً والتي تحتاج إلى تغطية ومباحث ربما أكثر من مجرد إيراد خبر عن سقوط مدينة وتحرير أخرى.
إعلامنا من واقع الموقع الجغرافي للسودان والارتباطات الإقليمية يجب أن يتطور ليكون أحد مراكز المرجعيات المهمة، من تشاد غربا إلى الجنوب جنوباً وإثيوبيا شرقاً يمكن أن نصنع منصة انطلاق إعلامي تضعنا في الوضع اللائق بنا، ونملك من الوسائل والأدوات والقدرات الفنية مقارنة بدول مجاورة إرسال إيميل منها يتطلب ساعات مع قيود ومكبلات تجعل تجربتنا الإعلامية في مجال النشر والصحافة تتفوق عليها بسنين ضوئية، الاهتمام بهذا يسهم كذلك في تحسين صورة السودان ويدعم إيجابيات كثيرة مهملة بسبب إهمالنا لطموحاتنا السياسية والإعلامية المشروعة وأعتقد أن الحكومة يجب أن تبادر إلى هذا بلا تردد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية