تتلكأ ليه..؟!
بوادر أزمة في الخبز والوقود بولاية الخرطوم، تحسستها منذ الأمس، إذ لاحظت اصطفاف المركبات والسيارات في مواقع محطات الوقود، كما كان لافتاً لي إغلاق غالب المخابز في حينا مع تجمهر الناس أمام القليلة التي تعمل، والصورتان أحدثتا وضعاً مقلقاً بين المواطنين، ومع تمسك الحكومة بألا شح في الوقود أو الدقيق، فإن السبب سيكون حتماً إشكالات في التنسيق والمتابعة. وواضح أن حشود التنفيذيين بالولاية لا يجيدون في هذا الملف العمل إلا إذا تحرك الوالي شخصياً، أو وصل الأمر إلى مرحلة الأزمة.
وأتوقع أن يكون سبب المشكل إجراءً بيروقراطياً أحدثه أحدهم فعطل به انسياب الإمداد أو أخره، وهذا التعطيل الروتيني لساعات أو بعض يوم تمدد من مرحلة لأخرى ليتحول آخر الأمر إلى انقطاع لن يحل إلا بتدخل السلطات كافة من الوالي ورئاسة الجمهورية وجهاز الأمن، حينما يتحول الوضع إلى مشكلة تتمدد لتتحول إلى مشروع سياسي ومهدد أمني وقضية رأي عام سببها كلها خلل في متابعة كميات المخزون وترتيبات الصرف منه والتوزيع!!
واضح أن البلاد تعاني بخلاف مشكلها الاقتصادي أزمة أكبر في التنسيق والخطوط المفتوحة وتواصل الأجهزة التنفيذية، وواضح أكثر من هذا أن الوظيفة صارت وجاهة، فغاب المسؤولون العالمون بواقع سير الأداء على الأرض، إذ يكتفي كل مرؤوس لمخاطبة رئيسه بتقارير غير دقيقة لا ينكشف زيفها إلا بعد وقوع الفأس في الرأس، وبروز المعضلة بما لا يمكن إخفاؤها، وقد انتشرت في صفحات التواصل الاجتماعي بالعاصمة والولايات صور الصفوف، فلم يعد من مبرر للادعاء بأن كل الأمور جيدة ومستقرة، لأنها ببساطة ليست كذلك.
لقد أدارت الإنقاذ في بداياتها هذه البلاد بلا نفط أو زاد، وانتظمت الأمور وفق ترتيب دقيق لا اختناقات فيه أو ندرة، والسبب يومذاك في تقديري قدرة على التحرك والمتابعة وابتدار المعالجات بحسم وسرعة وافيين.. كان الإلمام بالتفاصيل كبيراً، وصدقيتها عالية، لهذا تأتي الاستدراكات وهي قادرة على الإحاطة بالأزمة وتطويقها، بل والتوصل إلى التزام بعدم تكرارها، وحدث هذا والسودان بلا نفط قليل أو كثير مستخرج ومصفى من أراضيه، وبلا وضع اقتصادي يؤسس لقدرة مالية، وفي ظل حصار وتضييق وظرف إقليمي ومحلي أكثر تعقيداً مما هو كائن الآن.
يجب التعامل من جانب الحكومة مع مثل هذه الإشكالات بقدر أكبر من الحسم والشفافية.. الحسم بالوقوف على مواطن الخلل التنفيذي في الذي يجري ويتكرر في الأشهر الأخيرة، والشفافية بمواجهة الناس بصراحة ولو كانت قاسية بأن الوضع صار فوق طاقة احتمال وقدرة تنظيم السلطة لهذه الأمور.. وفي الحالين فإنها– أي الحكومة– ستقدم تبريراً للذي يجري، فهذا أفضل من القول كل مرة إنه لا أزمة، وإن ما جرى أن اتحاد المخابز فعل وترك، أو إن محطات الوقود تلكأت في تسلّم حصصها.