أخبار

المبادرة البرلمانية!!

} بعد أن كتبت الصحف يوم الثلاثاء الماضي عن مبادرة يطلقها النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” عن الأوضاع في جنوب كردفان وسبل حل الأزمة التي اقتربت من العام الثاني ونصف العام.. تغيِّب “طه” عن جلسة الأربعاء التي أطلق فيها البرلمان مبادرة بالتزام الحكومة بالعفو عن حاملي السلاح وإسقاط كل الدعاوى الجنائية ضد المتمردين والخارجين عن القانون ودمجهم في المجتمع، واستعجلت الهيئة التشريعية رئاسة الجمهورية في إنشاء صندوق تنمية جنوب كردفان وإلزام المالية بتوفير المبالغ المخصصة له.
} أما لماذا غاب “علي عثمان” عن أول مبادرة له خارج الجهاز التنفيذي؟ فقد تمددت علامات الاستفهام عن أسباب الغياب المفاجئ.. ثم جاءت المبادرة التي أطلقها رئيس البرلمان السابق مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر” لتختزل القضية في العفو العام عن (5) من حاملي السلاح وإسقاط الدعاوى الجنائية في مواجهة المتمردين دون السعي لمخاطبة أصل القضية، بل الهروب من استحقاقات الحل بكلمات مفخخة لا تقدم حلاً ولا تغير واقعاً.. وقضية جنوب كردفان ليست دعاوى جنائية في مواجهة هاربين من العدالة أو السجون ولا متمردين يطلبون عفواً عن جرائمهم نظير إلغاء السلاح.. ولا إنشاء صندوق إعمار يشكل أولوية لإنسان الولاية الآن.
} القضية التي أدمنت الحكومة الهروب من استحقاقاتها قضية سياسية عمقتها الحرب الأخيرة بمرارات في النفوس زادت الهوة اتساعاً وبثت اليأس والإحباط في النفوس بأن الحرب الحالية ليست لها من حلول في القريب المنظور، فالحرب أسبابها ودواعيها سياسية.. هناك مواطنون يشعرون بأن ظلماً حاق بهم ولا سبيل لحلول إلا من خلال حوار سياسي لإقناع حاملي السلاح وآخرين جالسين على أرصفة السياسة ناقمين على ما جرى ويجري من صراع ومستهم ضراء الحرب وأثارها الكارثية على المجتمع.. وقد اعترفت الحكومة المركزية في اتفاقية السلام 2005م بأن لجبال النوبة قضية سياسية ونصت الاتفاقية على المشورة الشعبية كآلية لقياس رؤية المواطنين في كيفية الحل وقبل إجراء المشورة اندلعت الحرب، فهل يعتقد البرلمان أن مجرد العفو عن حاملي السلاح دون السؤال: لماذا حمل المواطنون السلاح، يمكن أن يحل القضية؟!
} صحيح أن الأوضاع الآن ليست في صالح المتمردين، واستطاعت القوات المساحة من خلال عمليات الصيف كسر شوكة التمرد عسكرياً وتحطيم قدراته وجاءت الحرب في جنوب السودان خصماً على (الحركة الشعبية) وعصفت بوجودها في دولة الجنوب دع عنك جبال النوبة، ولكن الذي يعتقد أن له قضية قد يضعف اليوم ولكنه سينهض غداً ويفقد الداعم الإقليمي والدولي اليوم ولكنه لن يفقده إلى الأبد!!
} كان أحرى بالبرلمان التفكير والتدبير في مبادرة سياسية تكسر طوق العزلة وتفتح ثغرة في الجدار المسدود بين الحكومة وفرقائها من حاملي السلاح للعودة لطاولة الحوار والتفاوض والحلول السلمية، وقد لاحت فرصة جديدة من خلال المبادرة البريطانية التي تحدث بشأنها الدبلوماسي البريطاني الرفيع الذي زار السودان الأسبوع الماضي، ذلك هو السبيل المفضي لحلول متفق عليها.. إذا توفرت إرادة سياسية حقيقية وتم الإصغاء لأهل المنطقة ممن لهم قدر من الاستقلالية بعيداً عن الهتافيين الذين أعمت مصالحهم بصائرهم!!
} العفو العام مطلوب وإسقاط الدعاوى الجنائية في مواجهة مرتكبيها خطوة تأتي بعد الاتفاق السياسي كإجراء ضروري لتهيئة المناخ لعودة حاملي السلاح.. ولكن اختزال القضية كلها في مناحٍ إجرائية من شأنه تعقيد الحل ووضع متاريس تؤجل إحلال السلام.
} أما إنشاء صندوق للتنمية والإعمار وتغذيته بالمال لمقابلة استحقاقات التنمية فهو أيضاً سابق لأوانه، فالحرب مشتعلة الآن ونصف مواطني جنوب كردفان إما مشردون في المدن ونازحون هائمون على وجوههم أو محبوسون قهراً وقسراً من قبل المتمردين في كهوف الجبال، وفي دول الجوار لاجئين تطعمهم الأمم المتحدة من جوع ولا تؤمنهم من خوف، وحكومة جنوب كردفان مثقلة بالديون وتراكمات أموال أُنفقت على مشروعات التنمية ولم تقنع المواطنين حتى اندلعت الحرب.. إن كان للحكومة جهد وعزيمة فلتنفق أموالها في سداد ديونها وإكمال المشروعات التي بدأتها في السنوات الماضية.. أما أن تنشئ صندوقاً للتنمية في زمن الحرب فإنها كالذي يزِّين حماراً للزفاف.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية