أخبار

مأكلة..!!

قدم المراجع العام تقريره الراتب الذي يتفضل به سنوياً للبرلمان، وتتبعه دائماً قصة (سلخ جلد النملة)، وتظل أرقامه واستفهاماته كل عام في دائرة الضوء إلى أن يمل الصائحون والمستمعون المسألة وينصرفون إلى أمر آخر، وموعدنا العام المقبل! وكالعادة وفي هذه النسخة كشف التقرير– حسب المنشور بالصحف- عن اعتداء وزارة المالية على مبلغ (16) مليار جنيه، التزامات على وزارة المالية بحسابات بنك السودان لم تظهر في الحسابات الختامية للمالية تجري ملاحقتها، وأعلن المراجع العام “الطاهر عبد القيوم” أن صافي مبلغ جرائم المال العام غير المسترد في الأجهزة القومية خلال العام الماضي بلغ (3.7) مليون جنيه، ونسبة الاسترداد كانت (39%) تمثل مبلغ (2.4) مليون جنيه. ومضى التقرير وقال الكثير، مورداً الأرقام بالنسب والفواصل العشرية مما لا داعي لتكراره إذ لن يقرأه أحد.
أزمة هذا التقرير السنوي أنه في كل مرة يدلق قائمة اتهامات صريحة أو إيحاء، ويحرر كشفاً بأسماء متهمين ولصوص للمال العام مفترضين، لكنه يكتفي في العادة بإيراد المسروق والضائع والمهمل ثم لا يقدم الجناة (بالاسم) لمحكمة الرأي العام، وتمضي الأمور في أحسن أحوالها إلى جرجرة موظفين بالدرجة التاسعة والعاشرة في النيابات والمحاكم، بينما حقيقة الأمر ووفقاً لما يرد فإن المتهمين الكبار لا يطالهم أمر، لأننا حتى اليوم لم نر والياً أو وزيراً يقف داخل القفص جراء وثيقة المراجع العام، مما يعني ببساطة إما أن هذا التقرير يريد القول إن اللصوص هم صغار الموظفين أو أنه (يبالغ) ويسكب كوباً من الماء على أحبار معلوماته!
ديوان المراجع العام عليه الخروج من منصة (المصحح) لأداء الحكومة المالي، إذ يحتسب عادة الأموال الواردة والخارجة وتلك التي (طشت) عن خزائن البلد ومصالح المواطنين، ثم يكتفي مثلنا بالنظر وانتظار الموسم المقبل ليقول لنا إن النسبة زادت أو قلت، لذا فإن من واجبه ومثلما له ولاية الحق القانوني في المراجعة والتدقيق أن يكون أكثر جرأة في ضبط المطلوبين وإحضارهم ومحاسبتهم باعتباره المفوض قانونياً بالأمر، وإلا فإن عليه الاعتزال والاعتذار عن المهمة نفسها، إذ ما فائدة المراجعة القانونية والتدقيق المالي إن كانت المخرجات نفسها (كلام ساكت) ولا قيمة لأية حقيقة توردها أو خلل تؤشر إليه؟!
أمر آخر، أعتقد أن ديوان المراجع العام بحاجة إلى الانتباه إليه، ويتمثل في أهمية تعيين الوصف المعين لشكل المخالفة، لأن الأرقام حين تقرأ مجتمعة يمكن للراوي أن يقول إن الأموال المختلسة تبلغ كذا، ولكن هل هي فعلاً مختلسة؟ أم أن هناك نسبة تقل أو تزيد ترتبط بسوء إدارة إجرائية لجهل الموظفين وعدم تأهيلهم؟ أم للتهاون المفرط آخر الأمر لضياع أرقام وأوراق تضيع معها أموال وإن صرفت؟! لذا فمن المهم تحديد كل جزء بتسمية صحيحة ودقيقة مثل أن يكون هذا المال مجنباً لكنه ملك للدولة وتحت تصرفها، وذاك ضاع وذاك (مأكلة عديل)!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية