للمرة الثانية .. النوبة يقولون (شكراً الأخ الرئيس)
} لقد سبق للأخ الرئيس المشير “عمر حسن أحمد البشير” رئيس الجمهورية أن قال عقب تحرير منطقة “أبو كرشولا” بجبال النوبة، إن النوبة مظلومين، فكان هذا القول أبلغ دلالة على الإنصاف من قبل الدولة في أعلى مستوياتها لأهلنا النوبة، الذين ظلوا يتجرعون الظلم منذ السياسة الاستعمارية، مروراً بالحقب الوطنية، حتى ولجت فجر الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989م.
} وأطلت الحركة الشعبية ودخلت إلى جبال النوبة متلبسة بلبوس الثعالب ومتدثرة بثياب الوعظ والإرشاد، تدعي إنصاف المهمشين من براثن الظلم الذي ظلوا يرفلون فيه سنين عدداً، وكان ذلك التقاطاً للقفاز واختطافاً للقضايا والمشكلات وتجييرها لصالح أجندات اعترف بها أهل الحركة الكبار وينكرها الصغار، فتبدل الحال في جبال النوبة، فبدلاً من أن يأتيهم المن والسلوى، انتاب النوبة وبقية القبائل التي تقطن معهم ظلم عظيم، ما لبث أن تضاعف فأصبح ظلمات إلى يوم القيامة من جراء النوائب التي علم به القاصي والداني .
} عندما قال الرئيس إن النوبة مظلومون رددنا عليه في حينه بمقال ورد على نفس الصحيفة تحت عنوان (النوبة يقولون شكراً جزيلاً أخانا الرئيس)، وكان ذلك تأسياً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) .
} الآن والبلاد قد احتفلت بأعياد استقلال السودان المجيد وذكرى مرور (58) عاماً على جلاء المستعمر، جاء خطاب الرئيس متضمناً في ثناياه رد الجميل لأهلنا، ولكي يخرس بعض الألسن التي ترى أن الحرب الدائرة في جبال النوبة موجهة تجاه النوبة ومحاولة للتطهير والإبادة، فكان التصدي لهذه الفرية من قبل أعلى سلطة بأن الحرب ليست ضد النوبة وإنما ضد من يخرجون على سلطان الدولة ويحاولون فرض سياساتهم بقوة السلاح والبندقية. وقد يقول قائل إن هنالك تبايناً في القول بأن النوبة مظلومون وبين التصدي للبعض من رافعي أسنة الرماح مطالبين برفع الظلم عنهم ومساواتهم بسائر خلق الله من السودانيين سواء في تولي الوظيفة العامة وإرساء دعائم السلم الإجتماعي والتنمية المتوازنة وغيره، ولكننا نرد بأن الحرب التي تدور رحاها في جبال النوبة ليست لصالح إنسانها بقدر ما هي تدمير للحرث والنسل، وهتك للترابط القبلي والمجتمعي المتسامح. ونضيف بأن إسباغ صفة حمل السلاح وإلصاقه بالنوبة وتصوير أن كل متمرد نوباوي، وكل نوباوي متمرد بالأصالة، فيه إجحاف بيّن، وتلبيس إبليس يؤدي إلى خلط الأوراق وتزكية الخلافات ويعزز من الانكفاء والانغلاق والتشرذم والضغائن.
} لقد قلنا عشرات المرات في تصريحات تناولتها الصحف منذ ديسمبر 2009م حينما كان “عرمان” وصحبه يجوسون الديار بين ظهرانينا ويتقاسمون السلطة بفاتورة دماء أهلنا وقضاياهم، قلنا (إن النوبة مكون أصيل)، ومن يدحض علينا هذا القول فليراجع إصدارات المركز السوداني للخدمات الصحفية. والآن قال الرئيس في خطابه إن النوبة مكون أصيل ساهم في النضال الوطني وفي استقلال السودان، وعندما يقول كبير القوم ذلك يكون قوله الفيصل ورد الجميل وإحقاق الحق وقد وجد هذا الحديث صدى طيباً وراحة في النفوس.
} إن هذا المكون الأصيل الذي وقع عليه الظلم يحتاج منكم سيادة الرئيس رفع الظلم عنه بإعادة سيرة جبال النوبة إلى سابق عهدها، عندما كان الرجل يمشي من أولها إلى أقصاها لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه. وعندما كانت أقطان جبال النوبة تغذي مصانع لانكشير. ولرفع الظلم نأمل في التسريع بإنشاء صندوق تنمية يعمل على استدامتها ويوازن العدالة الاجتماعية، لكي لا تكون هذه القضايا قميص “عثمان” يرفعه كل حصرم يدعي القيادة والريادة وصولا لمبتغاه في الجاه والسلطان .
} إن الثعالب الماكرة “الحلو” و”عرمان” وغيرهم، ليسوا نسج وحدهم في استخدامهم لهذه القضايا واختطافهم لإرادة أهلها، فهنالك أكثر من “حلو” وإن اختلفت الوسائل، فالحلو المتمرد استخدم أدوات خشنة دمرّ من خلالها جبال النوبة وأورثها الهلاك وموارد الردى لتحقيق أهدافه ومن يقفون خلفه، وأكثر من “حلو” آخر مُر المذاق استخدم أدوات ناعمة موغلة في الثعلبية وكان أشطر، فوصل إلى منصب مستخدماً أيضاً قضايا النوبة كقميص “عثمان”، وعلاقته بهم أوهن من خيط العنكبوت.. فمعرفته “كرتالا” و”أم بريمبيطة” و”أيرى” و”طروجى” كمعرفة أوباما بـ “الردوم”، ولكن العنكبوت أكثر إكراماً وتفضيلاً عند الله تعالى لأنه ساهم في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى كفار قريش في قصة غار حراء المعروفة.
} وبعد “الحلو” استخدموا أدوات ناعمة فأضروا أيضاً بالنوبة من خلال اكتناز المال والجاه والسلطة ونسيان أمرهم وقميصهم، وليتهم وقفوا عند هذا الحد، وإنما يعملون ليل نهار لدق أسفين الخلاف، مما يقلل من فرص مساهمة الكثيرين في الهم الوطني. أليس هذا أذى معنوياً وضرراً مباشراً يماثل حمل السلاح؟
} لكي يرفع الظلم ينبغي إعمال مبدأ التفحص في رافعي القميص، ليس من حملة السلاح وحدهم، وإنما حاملي أوراق التوت التي لا تغطي السوءات والعورات، فإن عدم إدراك ذلك يوطن المظالم التي تفرق ولا تجمع، فالظلم المرُ الذي يتجرعه النوبة سيان، سواء من “الحلو” و”عرمان” أو آخرين ممسكين بالعصي من النصف، يدعون أنهم سدنة قضاياهم والحريصون على حقوقهم، جاعلين بينهم وولاة الأمر سداً منيعاً.
} الأخ الرئيس.. أنصفت وزدت في الإنصاف، فلك سلامٌ وتحية، والتحية للقوات المسلحة وهي تذود عن تراب الوطن واستقلاله، والنوبة يقولون للمرة الثانية شكراً جزيلاً أخانا الرئيس.