تركيب "مكنة"!
لو كنت “موظفاً” فبإمكانك تركيب “مكنة مدير”.. وإذا كنت “مديراً” فبإمكانك تركيب “مكنة مدير عام”.. وإذا كنت “مديراً عاماً “فبإمكانك تركيب “مكنة وكيل”.. وإذا كنت “وكيلاً” فبإمكانك تركيب “مكنة وزير”.. وإذا كنت “وزيراً” فبإمكانك تركيب “مكنة”………!!
“تركيب مكنة” هذا من مخترعات القول السوداني ومبتكرات الحياة السودانية.. ويقصدون به من يعطون أنفسهم حجماً أكبر منهم ويلعبون أدواراً تتجاوز حدودهم.. وهو مظهر اجتماعي موجود بكثرة في سودان المستجدات السريعة والنقلات الطارئة التي قسمت الوطن إلى شريحتين فقط “الناس الفوق.. والناس التحت”.. فيما تلاشت الناس “البين بين” أو الطبقة الوسطى، وأصبحت في خبر كان، والشريحتان تمارسان بشراهة تركيب “المكنات” سودانية الصنع.. فالناس “الفوق” يتفننون في تركيب “ماكينات” لا تنتمي لعالمهم.. والناس “التحت” بدورهم مهووسون بتركيب “المكن” الذي يتظاهرون من خلاله بشخصيات وعوالم لم يدخلوها من قبل!!
ولعبة تركيب “المكن” لا تحتاج إلى تحديد ملعب معيّن.. فكل الأمكنة تسمح بإجراء اللعبة.. في الوزارة أو في الشركة أو الشارع أو البيت.. ثمّة براح في المكان ومتسع من الوقت و هامش للفوضى لممارسة اللعبة.. حين يغيب “الأب” يُركِّب ابنه “مكنته”.. وحين يغيب المنوط بهم حفظ الانضباط في الشارع ومراقبة الأسواق فإن هنالك من يتبرع بتقديم نفسه للشارع العام بوصفه شخصاً مهماً دون تحديد للجهة أو الرتبة.. وحين يغيب مدير الشركة أو مسؤول الوزارة فهناك أكثر من مدير ومسؤول سيخرجون “كالمارد من قمقمه” ويضعون “الماكينات” باختلافها ذات “الشاسي الطويل” أو “الشاسي القصير”.. التي تجعلهم يمشون كالطاؤوس ويتحدثون من أبراج عالية وينهون ويأمرون بإشارات استعلائية تشبه الأداء الأميري والسلاطيني..!
وإذا كان المثل يقول “غاب القط ولعب الفأر” فإن الفئران التي تدمن تركيب “المكن” تلعب أحياناً في وجود القط نفسه و بعلمه و توجيهه ورعايته لأن أي قط كبير يخاف على كرسيه من الأفضل له إشباع رغبة الفئران الصغيرة في اللعب من وراء ظهره وحل مكانه بالإنابة.. فحين يشبع لهم هذه الغريزة و بموافقته وإرادته فإنه يضمن أن الفئران لن تفكّر بشكل جاد في الانقلاب عليه بل ستكتفي بلعبة تركيب “المكن” التي يكون غالباً المتضرر الوحيد منها هم السذج والبسطاء ممّن تنطلي عليهم خدعة تركيب “المكنة”.. أما السيد المدير والمسؤول والخطير فهو في مأمن من فئرانه حتى ولو جلسوا أثناء غيابه على طاولته واستخدموا هاتفه وصلاحياته وتحدّثوا باسمه.. فذلك ربما يسليه و يزيد من شعبيته بوصفه “قط سمين” يُراعي أحلام الفئران.