المفكر الإسلامي بروفيسور "حسن مكي" في حوار مع (المجهر السياسي)
* التغيير سيحدث والرهان الآن على منصب رئيس الوزراء !
* السودان دفع ثمن رفع العقوبات ولكن الرئاسة الأمريكية لا تستطيع تلبية هذا المطلوب الآن!
* رئيس الوزراء هو من سيحدد طبيعة المرحلة القادمة والناس ينتظرون رئيساً في قامة “الصادق المهدي” أو ( … ) !
* الحوار الوطني سيستمر بل وسيكتسب عنصر الجدية والصدقية من رئيس الوزراء !
حوار – سوسن يس
رهن الدكتور “حسن مكي” حدوث التغيير في المرحلة المقبلة بمنصب رئيس الوزراء الذي أقرته توصيات الحوار الوطني، وقال إن أهم ما اشتمل عليه الحوار هو هذا المنصب الذي إذا ما كان من سيشغله رجلاً قوياً ونجح في القيام بمطلوبات المرحلة، فسيكون هو خليفة الرئيس .. وبدا “مكي” متفائلاً وهو يؤكد أن الوضع الآن أشبه بما كانت عليه تونس في عام 1983. وقال: (تونس في عام 83 لم يكن هناك من يتصور أن يحدث فيها تغيير، حيث كان الحزب الدستوري هو الحزب القابض فيها والمهيمن وكان مثل حزب المؤتمر الوطني في السودان .. ولكن ثورة الخبز التي حدثت على مرحلتين أدت في النهاية إلى تقويض نظام “بورقيبة” .. وفتحت المجال للأحزاب السياسية وأدت إلى أن يكون رئيس الوزراء “زين العابدين بن علي” هو خليفة “بورقيبة”، و”زين العابدين” أطاح ببورقيبة في يناير 87 .. ثم حاول أن يبسط نظاماً ديكتاتورياً ولكنه لم يستطع . وأطاحت به ثورة الربيع العربي والآن تونس تعيش ربيعاً سياسياً). وقال “حسن مكي” إن هناك أملاً في أن يحدث هذا بصورة سلمية في السودان .
فإلى مضابط الحوار:
{ دكتور “حسن مكي” كيف تنظر للأوضاع الآن بعد الحوار الوطني؟
– يبدو لي أن أهم ما في هذا الحوار ليس هو النصوص الجزلة ولا العبارات الكثيرة ولا الحديث عن الحريات، وليس هو الحديث عن سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة، فكل هذا الكلام كان موجوداً في الدستور وكان موجوداً في مخرجات وأوراق المؤتمر الوطني .. لكن أهم شيء في هذا الحوار، والشيء الذي يمكن الرهان عليه، هو منصب “رئيس الوزراء”.. الرهان الحقيقي في هذا الحوار هو على منصب رئيس الوزراء أي خليفة الرئيس الذي لا ينازعه أحد في حقه، لأن وجود رئيس وزراء سيحدد طبيعة المرحلة القادمة خصوصاً إذا كان رئيس الوزراء هذا شخصاً قوياً. لأن رئيس الوزراء سيكون مربوطاً بالتيار العام، بالشعب، وهو ليس كنواب رئيس الجمهورية مجرد موظفين .. وهو شخص محاسب في البرلمان وهو يعين الوزراء ويحاسب الوزراء .. فلذلك ومن خلال وجود هذا المنصب لأول مرة يكون هناك اقتسام للسلطة. كما أن هذا الشخص لو كان ناجحاً فسيكون هو خليفة رئيس الجمهورية .. وسيكون عنواناً للمرحلة السياسية القادمة، فإن كان إسلامياً فالمرحلة القادمة سيكون طاغيا عليها المرجعية الإسلامية، وإن كان ليبرالياً فستكون المرحلة القادمة مرحلة ليبرالية والناس على دين ملوكهم .. هو الذي سيحدد المرحلة القادمة إلى حد كبير، لأن الناس شبعوا ويعرفون إلى حد كبير من هو رئيس الجمهورية ويعرفون خطاباته، لكنهم ينتظرون رئيس جمهورية على قامة السيد “الصادق المهدي” وعلى قامة السيد “الرشيد الطاهر” على قامة هؤلاء الناس . صحيح أن رئيس الوزراء في نظام جمهوري يحميه العسكريون سيكون ضعيفاً ولكن النظام الآن يترهل ويصاب بالشيخوخة فإذا كان رئيس الوزراء يملك حيوية ويملك طاقة وصاحب سمعة، فإنه يستطيع أن يخلق مشروعية جديدة ويخلق أملاً لدى الناس. ويعصم البلد من التفكك ويكون قادراً على القيام بمطلوبات المرحلة – المصالحة الوطنية، فك الحصار، إعفاء المديونية التي تثقل كاهل السودان، إقامة السلام وإقامة العدالة، إنجاز التحول إلى مجتمع مفتوح، يتحول فيه المؤتمر الوطني من حزب مهيمن إلى حزب قائد، ويستطيع كذلك أن يعيد إلى القضاء هيبته. ويؤكد التداول السلمي للسلطة ويبرز المجتمع السياسي الجديد ويفتح المجال للطاقات الجديدة .
{ أنت ترى أن الرهان في إحداث التغيير في المرحلة المقبلة هو على منصب رئيس الوزراء ولكن أعتقد أن الرهان الأكبر هو على كيف سيتم اختيار رئيس الوزراء .. في الغالب منصب رئيس الوزراء لن يبعد من حزب المؤتمر الوطني أو الأحزاب المشاركة في الحوار ..بمعنى أن رئيس الوزراء سيأتي من واحد من هذه الأحزاب، ولا أعتقد أنه سيكون هناك جديد أو تغيير في هذه الحالة؟
-لا… حتى لو كان من المؤتمر الوطني فالمؤتمر الوطني نفسه ليس شيئاً واحداً. الناس الموجودون داخل المؤتمر الوطني على درجات مختلفة من القوة فيهم من هم مجرد موظفين وفيهم من هم سياسيون متمرسون. وأنا أرجو أن يكون من خارج الوطني.
{ لكن في النهاية المؤتمر الوطني حزب سياسي فسواء أكان أعضاؤه مجرد موظفين أو كانوا سياسيين متمرسين فسيكونون خاضعين لسياسة الحزب، وبالتالي رئيس الوزراء إذا جاء من الوطني فسيكون خاضعاً للحزب ومقيداً بسياسات الحزب؟
– (هو لا يوجد حزب هو يوجد رئيس الجمهورية، فإذا كان رئيس الوزراء قوياً فسيستطيع أن يشكل عقل رئيس الجمهورية).
{ إذن أنت تتوقع أن يحدث تغيير حقيقي في المرحلة المقبلة؟
– نعم مؤكد إذا …
{ مقاطعة: لكن الآن وقد مضى أكثر من شهر على صدور توصيات الحوار الوطني، لم يحدث أي تغيير وليست هناك أية بوادر لتغيير .. بل بالعكس ربما يكون التغيير حدث للأسوأ فهناك الآن تضييق كبير في الحريات وتضييق على الصحف و و… ؟
– الوضع الآن أشبه بما كان في تونس عام 1983 ..
تونس في عام 83 لم يكن هناك من يتوقع أن يحدث فيها تغيير. كان فيها الحزب الدستوري هو الحزب الوحيد القابض . الحزب الدستوري حزب قديم وعريق نشأ بعد عام من نشأة حزب الوفد، فحزب الوفد تأسس عام 1919 والدستور تأسس عام 1920.
و”الحبيب بورقيبة” كان هو قائد الحزب الدستوري وكان هو الحزب المهيمن مثل الاشتراكي في السودان ومثل حزب المؤتمر الوطني في السودان، ولكن ثورة الخبز التي حدثت على مرحلتين مرحلة في 78 ومرحلة في85 أدت في النهاية إلى تقويض نظام “الحبيب بورقيبة”، وفتحت المجال لقيام الأحزاب السياسية مثل الحزب الديمقراطي الاشتراكي والحزب الشيوعي التونسي وحركة النهضة الإسلامية، وأدت إلى أن يكون رئيس الوزراء “زين العابدين بن علي” هو الخليفة و”زين العابدين” أطاح ببورقيبة في يناير 87، ومع مجئ “زين العابدين بن علي” حاول أن يبسط نظاماً ديكتاتورياً ولكنه لم يستطع .. وأطاحت به تونس في ثورة الربيع العربي والآن تونس تعيش ربيعاً سياسياً .. بمعنى أن هناك الآن الحريات والتداول السلمي للسلطة والانتخابات وصحافة حرة وقضاء مستقل ..
فأفتكر أن هناك أملاً .. وأنه وبصورة سلمية من الممكن أن يحدث هذا في السودان. الآن المنطقة كلها متأزمة سواء أكان في مصر أو سوريا أو العراق والمنطقة المتأزمة هذه لا بديل لها غير الحريات والمؤسسات واستقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة .. الناس يعتقدون أن القبضة العسكرية أنهت بذور الربيع العربي لكنها كامنة وستتفتح، فإن شاء الله من الممكن أن يحدث التغيير في السودان.
{ متى تعتقد أن التغيير سيحدث ؟ بعد فترة الـ(3) أشهر التي سيتم بعدها تنفيذ التوصيات؟
– لا أستطيع أن أحدد .. لأنه حتى ولو حدثت نكسة، لو حدث انقلاب عسكري مثلاً .. فلن يطول عمره فإما أن يتم القضاء عليه بانقلاب عسكري آخر قادر على الاستجابة لمطلوبات التحول السياسي، أو أن ينتهي إلى نفس ما تحول له نظام الإنقاذ بموجب هذا الحوار إلى نظام مدني والاعتراف بتقاسم السلطة والشراكة السياسية والتنوع .
{ الآن الحركات المسلحة بعيدة عن الحوار وهناك جزء كبير من المعارضة بعيد عنه ألا يقلل هذا من نتائج الحوار ومن تأثيره؟ فالحرب مثلاً لن تتوقف لأن حملة السلاح خارج الحوار..؟
– الحوار سيكون مستمراً بل سيكتسب عنصر المصداقية والجدية بعد منصب رئيس الوزراء لأن الحركات المسلحة سواء أكانت على حق أو على باطل ليس لديها ثقة في القيادة الموجودة حالياً . فالحوار سيستمر وحتى يوم القيامة لن يتوقف. وحتى في أمريكا الحوار لم يتوقف. الآن الحكومة السودانية أو البعض في الحكومة غاضبون لأن الإدارة الأمريكية لم تفِ بالمطلوبات المنصوص عليها مع الحكومة بأن ترفع العقوبات. لكن أمريكا ليست شيئاً واحداً .. بدليل أنه الآن مدير الاف بي آي والذي هو أكبر موظف في الأمن الأمريكي يتمرد على الحزب الديمقراطي الحاكم ويفتح التحقيق في ملفات البريد الالكتروني لهيلاري كلينتون وهذا أضعف من شعبيتها ويكاد يهدد بالإطاحة بها. فلذلك إذا كانت مكونات الحكومة الأمريكية تنسخ بعضها بعضاً وتضرب بعضها بعضاً، فإذا كان هناك مكون من مكونات الإدارة الأمريكية يريد رفع العقوبات فهناك مكونات أخرى لا ترى في ذلك أولوية.
{ لكن يا دكتور عموماً ما يحكم في أمريكا هو المؤسسية .. مهما تقاطعت رؤى مكونات الإدارة الأمريكية ففي النهاية الحكم هو للمؤسسية .. فموضوع مثل موضوع رفع العقوبات عن السودان لا أعتقد أن يترك لتقاطعات مكونات الإدارة أو لتقاطعات رؤاها حوله .. فمهما تقاطعت الرؤى أو الآراء في النهاية القرار سيكون هو قرار المؤسسية بالتأكيد؟
– الآن هناك الرئاسة الأمريكية وهناك الخارجية الأمريكية وهناك السي آي أيه وهناك …
{ مقاطعة : لكن قراراتها بشأن العقوبات لا تتقاطع.
– لا .. تتقاطع أحياناً، بدليل أن الخارجية الأمريكية الآن والسي آي إيه مؤيدتان لرفع العقوبات عن السودان، لكن الرئاسة لا تستطيع أن تلبي هذا المطلوب نتيجة لضغوط الانتخابات الأمريكية وخوفها من أن يؤثر هذا على الانتخابات، ونتيجة للخوف من الكونغرس كذلك.
{ لكن في ما يبدو أن أمريكا لن ترفع العقوبات عن السودان مجاناً ولابد من ثمن كبير..؟
– (دفع ليها الثمن) .. أولاً أجهزة الأمن السودانية متعلقاتها ومعلوماتها عن الإرهاب أخذت تصب في مواعين الاستخبارات الأمريكية، وأصبح هناك تعاون في هذا المجال .. ثم أن السودان الآن بالحوار الوطني وبالانفتاح الذي حدث، إطلاق سراح المعتقلين وإيقاف إطلاق النار في المنطقتين، فتح الحدود أمام النازحين واللاجئين والمسألة الوحيدة التي حدث فيها خلاف أفتكر هي مسألة الإغاثة ودخولها عبر إثيوبيا، وأنا أعتقد أن الحكومة كان يجب أن توافق على ذلك.
{ لا أعتقد أن هذا هو الثمن الذي تطمح إليه أمريكا يبدو أنها تريد ثمناً أكبر؟
– هذه هي الشروط التي تتكلم عنها دائماً الخارجية الأمريكية .. لكن إذا قلت النوايا وأن هناك فرقاً بين التصريحات السياسية والنوايا الحقيقية فنحن لا نعرف نواياهم .. هناك من يتحدثون عن أنه لابد من الاعتراف بإسرائيل .. ولكن الآن هناك كثير من الدول العربية والإسلامية ليس عليها عقوبات ولكنها معترفة بإسرائيل قطر معترفة بإسرائيل، الجزائر معترفة بإسرائيل، إيران الداعمة للجهاد ولحماس رفعت عنها العقوبات.
{ والسودان كان ألمح بإمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل ؟
– والله أنا أعتقد أن هذا مربوط بالجامعة العربية .. السودان مجرد عربة قطار في قاطرة الجامعة العربية و -هو لن يقدم بين يدي الجامعة العربية -، إذا الجامعة قررت هو سينفذ .
{ الملاحظ أن النظرة لمسألة التطبيع مع إسرائيل اختلفت في السودان عن ما كانت عليه في الماضي القريب .. قبل سنوات قليلة كان هناك تشدد كبير في هذه المسألة بعكس النظرة الموجودة الآن؟
– لأنه وتحت ضغوط الحياة الناس أصبحت تشعر أن القضية الفلسطينية تشكل عبئاً عليهم، عبئا سياسياً وعبئاً اقتصادياً .. وفلسطين بعيدة عنهم والآن قضايا العالم الإسلامي في سوريا وفي العراق و … هناك مهرجان دم حولنا مهرجان دم في كل مكان .. حتى في جنوب السودان مهرجان دم .. في دارفور مهرجان دم في جبال النوبة مهرجان دم فهذا جعل الناس ينظرون تحت أقدامهم فقط ولا ينظرون بعيداً.
{ ما رأيك الشخصي في مسألة تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل؟
– أنا أعتقد أن السودان لا يشكل رأياً بمفرده .. رأيه من رأي الجامعة العربية.