أخبار

رسم موقف

مما لا شك فيه أن التطورات الميدانية وتصاعد الأحداث بدولة الجنوب، يحظى بمتابعة عالية فى البلدان المجاورة لهذا البلد الوليد ، كلهم يتابعون ويرصدون ويتحسبون من كينيا إلى أوغندا الأكثر حضوراً في المشهد، ثم إثيوبيا التي تدرك أن أي انهيارات كبرى ستؤثر عليها (وهم مش ناقصين)، لكثافة التداخل القبلي واحتياج إثيوبيا لسنوات من أمراض الصداع الحدودي مع دول الجوار، ثم هناك السودان وحساباته كثيرة، ثم مصر التي تعاني ما تعاني مع أفريقيا، وانطلاقاً من هذا أظن أن اتساع نطاق المواجهة إلى الأقاليم والمقاطعات، سيثير قلقاً إقليمياً ودولياً كبيراً، لأنه سيخلق آخر الأمر وضعاً لا يمكن تفكيكه إلا بحرب داخلية طويلة وأهلية جديدة، أو بمفاوضات سيضطر فيها اللاعبون الإقليميون لرمي سهامهم فيتسع فتق المشكلة.
ظاهرياً يشعر المراقب ترجيحاً للكفة العسكرية لجماعة “رياك مشار” عقب كسبهم (بور) ونشاطهم المتصاعد في مقاطعة جونقلي، ثم ما رشح أن انتقال المشكلة إلى بانتيو مما يرشح كامل ولاية الوحدة لتكون مسرحاً جديداً. وأقول إن هذا ظاهرياً صحيح لكن التمدد والانتشار العسكري الواسع لسير الأحداث جنوباً، فرضته أسباب موضوعية خاصة في (جونقلي) والتي كانت أصلاً منطقة مضطربة وبها جيوب كثيرة لجماعات متمردة وقبائل على عداء مع الحركة الشعبية والدينكا، وأبرز الناشطين في هذا جماعات (المورلي) وهم مقاتلون أشداء ظلوا لسنوات على بغض غير مخفي مع الفئة الحاكمة في جوبا، وفى صراعات قبلية تاريخية مع (النوير) والغريب الآن أن ثمة تحالف قائم بين أعداء الأمس في نزال أعتقد أنه حلف مؤقت قد يتفكك في أي لحظة.
عسكرياً يمكن للمورلي إقلاق السلطات الجنوبية في غالب جونقلي والبيبور وجبل بوما، وهى المنطقة التي شهدت أول أنشطة للجيش الشعبي عقب هبوطه من إثيوبيا نحو السودان في بدايات التمرد، ومنها اشتق اسم الوحدات الإدارية في نظام الهرم الإداري في الحركة الشعبية فكانت (بُوما) التي تأتي بعد الوحدة الإدارة التي تسمى (بيام)، تخليداً لاسم هذه المنطقة، وبالتالي فإن شرق جنوب السودان يبدو وكأنه سيكون هو المسرح الأعرض للعمل العسكري مع أنشطة “بيتر قديت” المساند لـ”مشار” باعتبارات الحمية العشائرية، ولكونه ظل ولسنوات القائد الأكثر مشاكسة ميدانياً قبل اتفاقية نيفاشا وبعدها، ثم تأتي مجموعات من أبناء دينكا بور المتحفزين للأمر، بخلفية وضعية نائب وزير الدفاع ونائب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني (قبل الانفصال) الجنرال “مجاك”، وقد يتعقد وضع هذه المجموعة ويضعون كل بيضهم في العمل العسكري المناويء لأبناء عمومتهم (دينكا قوقريال) ورمزهم “سلفاكير” وفقاً لمواقف السيدة “ربيكا قرنق”.
حتى الآن يتداخل السلطوي مع القبلي والسياسي مع العشائري، وتبدو عملية فرز الألوان معقدة مما يتطلب فحصاً دقيقاً لآليات الحساب وتقدير الموقف، وخلافاً لاتجاهات الموجة الأولى من الأحداث، فالمؤكد أن على السودان في ولاياته الحدودية مع الجنوب، توقع موجات من المهاجرين العائدين إلى وطنهم الأم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية