حوارات

الخبير الأمني اللواء أمن (م) "عبد العظيم الرفاعي" في قراءته لأحداث جنوب السودان

بمقدمات واضحة تفجرت أزمة دولة الجنوب الوليدة ذات التكوين البنيوي الهش، بما يشي في حال تفاقم الأوضاع هناك بصراع يهدد وجود الدولة نفسه على الرغم من الدعم الدولي الكبير وبخاصة من قبل الولايات المتحدة.. ومثلت المحاولة الانقلابية التي أعلن عنها الرئيس “سلفاكير” خاتمة صراع قيادات الحركة الشعبية التي قادت البلاد إلى الاستقلال في العام 2011م، ليرسم الصراع الأخير واقعاً وشكلاً جديداً للصراع حول السلطة بعد أن استفرد الرئيس “سلفاكير ميارديت” بالقرار في الحزب والدولة عقب إبعاده لنائبه “رياك مشار” في يوليو الماضي وأمين عام الحركة الشعبية “باقان أموم”، بما يفتح الباب واسعاً للسيناريوهات والاحتمالات كافة.
في هذا الحوار يقدم الخبير الأمني اللواء أمن (م) “عبد العظيم الرفاعي” المدير السابق لهيئة العمليات بـ(جهاز الأمن والمخابرات الوطني) والخبير بشؤون الجنوب منذ الثمانينيات وحتى اتفاقية (نيفاشا)، يقدم قراءة أمنية وسياسية لمآلات الأوضاع المتفجرة في دولة جنوب السودان.
} بدءاً ما هي انعكاسات ما يجري في دولة الجنوب؟
– ما جرى بدون شك سيكون تأثيره كبيراً علينا.. ومعلوم أن ما يجري في دول الجوار يكون تأثيره مباشراً، ولكن بالنسبة للجنوب فإن التأثير أكبر بحكم صلات الوشائج السابقة والتمازج والاختلاط بين الشعبين وصلاتهما القوية كأسرة واحدة في السودان السابق، لذلك تجد متابعة السودانيين الشماليين لما يحدث هناك مهمة وضرورية سواء من الناحية العسكرية أو الأمنية أو السياسية.. المتابعة مهمة وضرورية للغاية.
} المجموعة التي اختلفت مع الرئيس “سلفاكير” مهمة ومؤثرة.. هل ذلك صحيح؟
– صحيح.. وكما تعلم فإن هذه المجموعة بدأت تحركاتها منذ وقت ليس بالقليل، منذ أن رجع لنا “رياك مشار”، حيث اتسمت مواقفها بالتذبذب.. “مجاك دوت”، “باقان أموم” و”رياك مشار”، هذه المجموعة كانت ذات تأثير في علاقات الحركة الشعبية بالمؤتمر الوطني.. هذه المجموعة مسؤولة عن سوء العلاقات بيننا، وهي المسؤولة عن عدم سير علاقات الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني في اتجاهها الصحيح، قبل تنفيذ اتفاقية السلام وبعد ذلك ما صاحبها من مشاكل، وهي المسؤولة عن موضوع (أبيي) وتشعباته كلها.. أيضاً هذه المجموعة لها ارتباطاتها الخارجية، وبالتالي بات تأثيرها فادحاً بيننا والحركة الشعبية، وحتى بعد أن أصبح الجنوب دولة استمر هذا الأمر.. هذه المجموعة كان لها الدور الحاسم حتى في موضوع الانفصال، ولو تذكر تصريحات “باقان أموم” و”تعبان دينق” و”رياك مشار”، هؤلاء القادة لهم ارتباطاتهم القوية بقطاع الشمال.. باختصار لقد كانت (خميرة العكننة) بين دولتي الشمال والجنوب، وكانت السبب الأساسي في كل التوترات بين البلدين.
} ما هو موقفها عسكرياً قياساً بما يملكه الرئيس “سلفاكير”؟
– موقفها العسكري ضعيف للغاية، ومن الصعب أن تنجح في إحداث انقلاب عسكري.
} ما الذي يجعله ضعيفاً؟
– لأن (الجيش الشعبي) مبني بالأساس في تركيبته وعناصره على (3) عوامل أو تكوينات أساسية، الأول هو (دينكا) بحر الغزال، والمكون الثاني هم أبناء (النوبة)، أما الثالث فهم أبناء (النوير)، وبالتالي (النوير) لا تتبع لهذه المجموعة المختلفة مع الرئيس “سلفاكير”.
} عملياً هل يستطيع الرئيس “سلفاكير” القضاء على مجموعة “رياك مشار” و”باقان أموم”؟
– نعم، الرئيس “سلفاكير ” سيفعل ذلك، وبدأ هذا الأمر بالفعل عبر الفعل السياسي المصاحب للفعل العسكري المناوئ للانقلاب عليه، فهو استصحب معه في تعاطيه عسكرياً مع مجموعة “مشار” قيادات جديدة من “النوير” كـ”رياك قاي” و”جوزيف مانتويل” والي الوحدة السابق، و”جوزيف توير” من القيادات الشابة ومن معقل “رياك مشار”.. لقد تعامل الرئيس “سلفاكير” بحكمة، وأخذ في التعاطي السياسي فوراً مع الحدث بغرض احتواء الموقف، وأنا أتوقع أن ينضم الدكتور “لام أكول” من (الشلك) كبديل سياسي لـ”باقان أموم” المنحدر من ذات القبيلة.
} ما هو حجم التأثير القبلي في دولة الجنوب؟
– لولا التركيبة القبلية لما استمر الحكم في دولة الجنوب، وذلك لأن قبيلة (الدينكا) تمثل الغالبية العظمى هناك.. (الدينكا) غالبية عظمى على مستوى الجيش الشعبي، وعلى مستوى الخدمة المدنية والقيادات، ولابد للرئيس “سلفاكير” أن يستصحب معه البعد القبلي لأنه العنصر الرئيس في الجنوب، وفي ظل ذلك الوضع أتوقع أن يكون هنالك تأثير مقبل ودور قادم للدكتور “لام أكول”.
} هل يمكن لهذا الصراع أن يؤثر على بنية الحركة الشعبية الحاكمة هناك؟
– كلا، لن يؤثر، بل على العكس، سيعضد من قوة ونفوذ الرئيس “سلفاكير ميارديت”، والسبب أن هذه المجموعة خلقت مشاكل عديدة تأذى منها الرئيس “سلفاكير” نفسه، وهو كان (ساكت عليها).. هذه المجموعة أثرت على علاقة دولة الجنوب بالشمال، بل أثرت حتى على علاقات الجنوب.
} ما هي قراءتك لحجم التأثير الأمني لهذه الأحداث على السودان الشمالي؟
– التأثير الأمني لأحداث الجنوب سيكون كبيراً على الشمال، ولكن على الصعيد الإيجابي ليس إلا.. هذا الواقع سيفتح آفاقاً لحدود آمنة بين البلدين لتتم الاستفادة الاقتصادية عبر تبادل السلع التجارية بين البلدين، فالحدود ستكون آمنة ومفتوحة للتبادل التجاري.
} ما حقيقة الموقف الدولي من مجريات الأحداث في جوبا وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؟
– ما جرى في دولة الجنوب هو انقلاب عسكري، وبالتالي فإن الدول كافة ستدينه لأن الانقلابات العسكرية مرفوضة دولياً، إلا إذا اختلفت (المعايير)، وكما تعلم فإن (الجامعة العربية) أدانت انقلاب الجنوب، وقطعاً سيتبعها (الاتحاد الأفريقي) في الإدانة والرفض، وبالتالي فإن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية لن تتأثر مع حكومة الجنوب.
} ما هي فرص استمرار الجنوب كدولة؟
– الانقلاب ستكون له تداعياته وبخاصة على الصعيد القبلي، ولو تم التعامل بحكمة فإن الأمور ستمضي بشكل جيد، ولكن في حال تمت تصفية حسابات فإن الأمور ستتعقد ولن تكون جيدة بأي حال من الأحوال. وأعتقد أنه في ظل وجود قيادات (النوير) الجديدة التي تم تصعيدها عقب إفشال الانقلاب سيكون الوضع آمناً ومستقراً.
} هل سيستمر الصراع أم سيخمد سيما وأن الاختلاف بين قيادات كبيرة ومؤثرة كـ”مشار” و”باقان”؟
– هذا يتوقف على قادة (النوير) الجدد، والذين أتوقع لهم النجاح، ومشكلة “مشار” و”باقان” هي في إحداثهما لانقلاب عسكري.. هذا الحدث سيطفئ كل نجاحاتهما.
} بعض المراقبين يرى أن الرئيس “سلفاكير” استغل الاختلاف السياسي بينه وقادة الحركة الشعبية في (فبركة) انقلاب عسكري للتخلص منهم كخصوم؟
– أنا لا أتوقع عودة هذه المجموعة مرة أخرى للمشهد، فهم أغلبهم ليسوا من قبيلة (الدينكا)، ولو كانوا من هذه القبيلة لكان الموقف صعباً بالفعل.
} ما هي ضمانات المحافظة على خطوط أنابيب نقل البترول التي تقع في مناطق (النوير) مركز ثقل الدكتور “رياك مشار”؟
– لقد بدأ استخدام هذا الأمر منذ “فاولينو ماتيب” والصراع الذي دار بينه و”تعبان دينق” حينما كان والياً، لكن أتوقع أن تؤمن حكومة الجنوب خطوط أنابيب النفط بشكل جيد.. وعموماً فإن تأثير مجموعة “مشار” سيكون في ولاية (جونقلي) لأن المجموعة الأكبر موجودة هناك.
} إذن الصراع العسكري سيستمر ولن يتوقف؟
– هذا يتوقف على المعالجات الجديدة للحكومة هناك التي تتولى الملف القبلي.. هذه المجموعة التي ظهرت مع الرئيس “سلفاكير” في بيانه الذي ألقاه عبر شاشة التلفاز في مؤتمره الصحفي، “رياك قاي” و”جوزيف مانتويل” و”جيمس واني إيقا” من الاستوائية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية