حوارات

(المجهر) في حديث الذكريات مع العضو البرلماني "دفع الله حسب الرسول" الرجل المثير للجدل (2-3)

“دفع الله حسب الرسول البشير” عضو المجلس الوطني، لم ير منه إلا الرجل المتزمت صاحب اللحية الكثيفة والجلباب والعمة، وقد وصفته الصحافة بالرجل المثير للجدل لتبنيه قضايا المرأة، وظل يتحدث عنها كثيراً.. ولكن “دفع الله” رجل رقيق يجيد اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة، ولغة الهوسا وشيء من الألمانية، وكان لاعب كرة قدم ممتاز مع الدكتور “علي قاقارين”، يشجع الهلال ولا يذوق طعم النوم إذا هُزم.. متزوج من ثلاث نساء وله ثلاثة عشر من ولد إلى بنت، أحد أبنائه طبيب وكذلك ثلاث من بناته طبيبات.. جنده للحركة الإسلامية الأستاذ “أحمد سعد عمر” وزير رئاسة مجلس الوزراء الحالي.. حاولنا من خلال هذا الحوار أن نقلب معه أوراق العمر.. محطاته العملية.. وكيف غادر إلى نيجيريا.. وكيف دخل السجن.. وما الذي استفاد منه؟! نترك القارئ مع الجزء الثاني من حوارنا مع العضو البرلماني “دفع الله حسب الرسول”.
} إلى أين انتقلت بعد مدينة باوشي؟
– بعد أربع سنوات أمضيتها في مدينة باوشي، انتقلت إلى كلية جامعية بمدينة مودقري، تسمى كلية برنو للدراسات الأساسية. وأذكر أول يوم دخلت فيه الكلية وجدت انتخاباتٍ للطلبة، وعندما اطلعت على قوائم الترشيح، وجدت ثلاثة طلبة مسيحيين مرشحين لرئاسة الاتحاد، وأربعة طلبة مسيحيين للسكرتارية وآخرين للعلاقات الخارجية، فطلبت رئيس الطلبة المسلمين وعقدت اجتماعاً طارئاً مع كل الطلبة المسلمين بالكلية، وقلت لهم إنكم تمثلون الغالبية العظمى، فهل تريدون أن يحكمكم المسيحيون في ولايتكم، فأنا أريد منكم أن ترشحوا طالباً مسلماً منكم لرئاسة الاتحاد، فجاءني رئيس الطلبة المسلمين وقال لي يا شيخ الرؤية واضحة وتقدموا بقائمة لرئاسة الاتحاد، فازت كلها بالإجماع ولم يدخل الاتحاد ولا طالب مسيحي واحد، وهذا عملنا داخل هذه الكلية.
} هل نقلت تجربة الإخوان المسلمين إلى نيجيريا؟
– نعم وأذكر أن الأستاذ “عبد اللطيف” قال لي لو في عمل واحد يدخلك الجنة، لكفاك ما عملته مع هؤلاء الطلبة.
} بعدها عدت إلى السودان فأين كانت محطتك؟
– عدت إلى السودان والتحقت بجامعة أفريقيا العالمية، وكان ذلك في عهد الرئيس السابق “نميري”، وأذكر في إحدى الأمسيات وأنا أزور الأخ الفششوية بمنزله، إذا ببيان صادر من الرئيس “نميري”، يتحدث البيان عن مؤامرة يقوم بها الإخوان ضد النظام المايوي، وهناك شفرة يتعاملون بها، وفي اليوم التالي علمت أن عدداً كبيراً من الإخوان تم اعتقالهم.
} ألم تكن تضمن المعتقلين؟
– أبداً.
} هل تعتقد أن “نميري” كان جاداً في تطبيق الشريعة الإسلامية؟
– نعم وكان جاداً وصادقاً ولكنه لم يصبر على الضغوط التي واجهته آنذاك من قبل الأمريكان، وكانت سفن القمح تصل إلى الميناء وتذهب، ونفس الضغوط التي واجهتها الإنقاذ هي نفسها التي واجهها “نميري”، لكن الفرق أن الإنقاذ صبرت عليها و”نميري” لم يصبر.
} أين كنت عندما قامت الإنقاذ؟
– كنت في الحج.
} وبعد الحج؟
– أقيمت دورة للدفاع الشعبي بمنطقة القطينة، فشاركت فيها ضمن ثلاثة آلاف شخص.
} كيف كان تعاملكم كمدنيين مع العساكر؟
– أذكر أول مواجهة بيني وبين أحد الضباط كانت حول لحيتي، فطلب مني الضابط حلقها فرفضت فكررها ثلاث مرات قلت له ما (شايلها)، قال لي: (يا مجند ما عايزين قلة أدب أسمع الكلام أمشي شيل دقنك وتعال بكرة)، قلت له حاضر جنابك، ذهبت لإخواني وقلت ليهم لو أنا شلت دقني دي شيخ “سليمان طه” يشيلها كيف وشيخ “صبير” يعمل شنو.
} ماذا عملت؟
– حملت شنطتي وخرجت من المعسكر.
} وإلى أين اتجهت؟
– عدت إلى جامعة أفريقيا، وفي المنام رأيت نفسي عارياً تماما وأنا ماشي من القطينة إلى الجامعة، وفي الصباح قصصت الرؤية على “حاج نور”.
} وماذا كان رد “حاج نور”؟
– قال لي الرؤية واضحة فما عليك إلا أن ترجع المعسكر، فحملت شنطتي وعدت إلى المعسكر، ويبدو أن “حاج نور” تحدث مع المسؤولين، وبعد عدة أيام زار المعسكر الشهيد “الزبير محمد صالح”، وتحدث مع الضباط وبطريقته العفوية قال ليهم (إخوانكم المجاهدين ديل البدور يربي دقنه خلوه يربيها). ومنذ حديث “الزبير” لم يسألنا ضابط ثاني عن اللحية أو حلاقتها.
} هل كانت هناك قساوة في التدريب؟
– ليست قساوة ولكن أذكر عندما ذهبنا لضرب النار وبعد ثلاث ساعات، عدنا إلى المعسكر والكل عطشان، ولكن يبدو أن أحد الضباط سبقنا إلى المعسكر، فدلق كل براميل المياه فلم نجد نقطة ماء واحدة، فتذمر المجاهدون وقرروا الخروج من المعسكر، فجاءني الضابط طالباً مني تهدئتهم، فتجمع كل المجاهدين والبعض جاء يحمل شنطته.
} ماذا قلت لهم؟
– خطبت فيهم وقلت لهم: (القرآن يربي الرجال على الجوع وعلى العطش وعلى الصبر والمصابرة، وفي رمضان تصومون من الفجر حتى غروب الشمس لا تأكلون ولا تشربون، والقرآن قال: (ولما فصل “طالوت” بالجنود) “فطالوت” قائد المؤمنين في جيش “داؤود”، وهؤلاء ذاهبين لقتال “جالوت”، فقلت لهم: في الطريق عطش الجيش وقالوا لطالوت “حلاقيمنا” عاوزة تتقطع وما حنقدر نمشي أكثر من كده، قال ليهم مامعناه : (إن الله مبتليكم بنهر سوف تمرون عليه ومويته حلوة، فمن شرب منه فليس مني) هل هذه حسادة أو (كادة) بتاعة عساكر، قلت ليهم: ربنا قال فشربوا منه إلا قليل منهم، فالذين شربوا منه “طالوت” قال ليهم أنتم خاسرون ارجعوا)، وساق الما شربوا وربنا قال: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)، قلت ليهم هذا امتحان ثاني فهذا امتحان الخوف فأطول واحد من ناس “طالوت” ويرفع رقبته يشوف ركبة زول “جالوت”. قالوا كيف نقاتل هؤلاء قال ليهم “طالوت” الذي لم يستطع القتال يرجع. و(قَالَ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين.َ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
قلت ليهم: (العملو الضابط دا مش دفق الموية ما هو القالو “طالوت” لناسه بتلقو نهر البيشرب منه ما معاي الضابط دا يبقى أفهم منكم)، فوضعوا شنطهم وقالوا لي قرضتنا.
فترة معسكر القطينة كانت فترة خصبة جداً والناس كانوا صادقين، والذين استشهدوا كانوا صادقين، الشهيد “عبيد ختم” و”علي عبد الفتاح” و”أحمد بشير الحسن” وكل الشهداء الأوائل كانوا معنا.
} هل حاربت في الجنوب؟
– أنا مشيت الجنوب إحدى عشرة مرة، وأذكر أن بعض الخواجات حضروا وقالوا عايزين تصريحات من المجاهدين، فحضر إلىّ ضابط وقال لي تحدث إليهم لأن لغتي الانجليزية كانت ممتازة.
فسألني أحدهم.. لماذا أنت تحارب؟، قلت ليه دفاعاً عن النفس و”جون قرنق” قال يريد أن يحكم السودان من نمولي إلى حلفا وهذا لا يمكن .. وقلت له من قال لكم الحرب دينية كذاب، فنحن معنا مسيحيون ونعمل تحت قيادتهم، فلا تسمعوا حديث الحرب دينية، فرفعت خواجية أصبعها علامة النصر.
} في أي المناطق حاربت؟
– في الاستوائية وفي توريت..
} هناك حديث يقال نسب للدكتور “الترابي” بأن من يمت في الجنوب ليس بشهيد ما صحة ذلك؟
– أي شخص استشهد في الجنوب كان “الترابي” بيمشي بيته ويقيم عرساً له باسم عرس الشهيد، فـ”الترابي” شقيقه استشهد في الجنوب، والرئيس شقيقه استشهد في الجنوب.. و”الترابي” كان يأتي إلى مناطق العمليات ويتحدث عن الشهداء ويحث الناس على الجهاد.
} ولكن لماذا تراجع عن ذلك؟
– دا خليني منه وبطل كلام السياسة..
} هل كنت تطلب الشهادة؟
– هناك بعض الطلبة كانوا يقولون نحن نريد الشهادة، لكن قلت لهم ما تقولوا عاوزين الشهادة لكن قولوا عاوزين النصر..
} هل من يطلب الشهادة يطلب الانتحار؟
– أبداً إلا إذا عمل أشياء غير صحيحة كذهابه إلى المتمردين وهو عاري الصدر، وهذه ليست شهادة هذه (عوارة)، وكأنما يريد أن يلقي بنفسه في التهلكة.
} ومن يستخدم الحزام الناسف؟
– في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة بدر قال النبي للمسلمين: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض..)، فقام “عمير بن الخمام” قال له بخ بخ يا رسول الله قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما حملك على قول بخ بخ ، قال أرجو أن أكون من أهلها، فحمل الصحابي سيفه ودخل في جيش الكفار وهم في غفلتهم، وقبل أن تبدأ الحرب فقتل عدداً منهم وقتل، ثم جاء شاب آخر يدعى “عوف بن الحارث” فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما يضحك الرب من عبده) قال له (غمس يده في العدو وهو حاسر)، بمعنى أن يقاتل من غير ساتر.
فألقى الصحابي بخوذته ودرعه وجرى إلى أن دخل في جيش العدو وأحدث فيهم خسائر فادحة، وقتل من بعد ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا انتحار، ولكن يقول من أفضل أنواع الشهادة في سبيل الله، ولكن يجب ألا تلبس حزاماً ناسفاً وتدخل السوق أو تدخل المسجد، فهذا غير صحيح وليس من يقوم بمثل هذه الأعمال صحيحاً، ومن يدخل المسجد بحزام ناسف فهذا ليس عاقلاً ولكن بإمكانه أن يدخل وسط الأعداء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية