"الصادق" والحرب الأهلية!
} وصف “الصادق المهدي” رئيس حزب (الأمة القومي) الأوضاع في السودان بأنها متأزمة، والنظام الحاكم محاصر ويعاني عزلة دولية وانقساماً داخلياً، وقال لصحيفة (الحياة) إن الاحتمالات التي تواجهها البلاد انتفاضة شعبية أو وصول تحالف متمردي (الجبهة الثورية) إلى الخرطوم بالقوة ما سيؤدي لحرب أهلية أو قبول الرئيس “البشير” بتسوية سياسية عبر مؤتمر دستوري ينتهي بحكومة قومية تقود البلاد إلى فترة انتقالية.
} تعليقي على هذا الكلام يبدأ بالسؤال: هذه الحرب الأهلية ستكون – كما هي الحروب الأهلية في أي مكان – بين جماعتين إحداهما مظلومة ومحرومة، والأخرى تتمتع بكل المزايا والامتيازات، فما هما الجماعتان في السودان اللتان ينطبق عليهما هذا الوصف؟ حتى هذه (الجبهة الثورية) لم يبقَ منها إلا الاسم رغم الدعم الأوروبي الأمريكي والإسرائيلي، وهو دعم استمر لعشرين عاماً لم تحقق خلالها هذه الجبهة تقدماً على الأرض، وأخيراً تمزقت هذه الجبهة إلى فرق كل واحدة منها تتهم الأخرى بالخيانة ثم تعلن استعدادها للمصالحة مقابل بعض الامتيازات، هذا السيناريو تكرر حوالي العشر مرات رغم الدعم الأجنبي المتواصل، فما الجديد في هذا الذي جعل “الصادق” يتوقع وصول (الجبهة الثورية) للخرطوم؟
} بالنسبة لاحتمالات الحرب الأهلية أنا أتوقع حرباً في اتجاه غير الذي أشار له “الصادق”، فالمعروف أن الحرب كما قلنا إذا وقعت فإنها تقع بين طرفين أحدهما يود استمرار الأوضاع كما هي لأنه يتمتع بمزايا لا يود أن يفقدها.. وكما نعرف بلدنا ليست فيها طبقات وليست فيها نزاعات عنصرية تجعل بعض السكان في وضع متفوق على الآخرين، كلنا فقراء حتى الذين كانوا في وضع معيشي جيد بحكم إقامتهم على شاطئ النيل وممارستهم للزراعة لم يقوموا باستعباد الآخرين رغم الادعاءات، بل اقتسموا خيرات البلاد مع الآخرين، والمعروف أن الغذاء الشعبي لكل السكان يعمل من الذرة وهو ينبت بالأمطار، وحتى في المواسم التي تشح فيها الأمطار ويبحث فيها الرعاة عن مراعٍ لا يجدونها إلا على شاطئ النيل، فمجرى النيل الطويل يتيح لآلاف الرعاة مساحة مناسبة وبعضهم يضطر لشراء الغذاء لحيواناته على أساس أنه سيضيف ثمنها إلى سعر الخروف أو البقرة، هذا إن حدث فإن سببه العوامل المناخية ولا دخل للإنسان فيه، على أية حال موجات الجفاف تكررت كثيراً ولم يحدث صدام بين المزارعين والرعاة في كل العهود.
} لنفرض أن قوات (الجبهة الثورية) أضحت قوية لدرجة اكتساح كل قوات الحكومة، فهل يعقل أن تظل (مصر) متفرجة ومعها (السعودية) وكل الدول العربية؟، إن سيطرة (الجبهة الثورية) ستكون لها نتائج خطيرة تتجاوز السودان إلى الدول العربية، فهل ستبقى هذه الدول متفرجة وهي تشاهد حرباً أهلية يقوم الطرف المنتصر فيها بتغيير الوضع السكاني والثقافي والاجتماعي والعقدي فيها.. إنها إذاً حرب عالمية مصغرة تلك التي تجرى في السودان حسب توقعات “المهدي”.
} ومن ناحية أخرى هل يتوقع “الصادق” بقاء الحكومة متفرجة دون حراك والأوضاع تسير نحو حرب أهلية، لقد قامت الحكومة بالكثير من التغيير في تفكيرها، واستوعبت الكثير من أفراد الحركات المسلحة الذين ألقوا السلاح بعد إيقاف القتال، فما الذي يمنعها من المضي في هذا الطريق إلى النهاية، أقصد تطبيق الديمقراطية الحقيقية التي تجرى فيها انتخابات حرة ينال فيها كل طرف أصوات بمقدار ما يطرحه من حلول لقضايا التنمية والتخلف، الحكومة يمكن أن تسحب البساط من تحت أرجل دعاة الحرب بإجراءات بسيطة تنهي كل احتمالات استخدام الحرب التي إن استخدمها سيندم من استخدامها.
قالوا.. ونقول..
قالوا الحرب الأهلية ستشتعل قريباً.. ونقول البلاد ليس فيها ظالم ومظلوم.