أخبار

الجنرال في نقاهة!!

} نهض الجنرال على قدميه، وتحدث بلغة مزجت بين تلقائية الراحل “الزبير محمد صالح” وحضور النائب الأول الذي ترجل “علي عثمان”، وقدم “بكري حسن صالح” مرافعته الأولى أمام قادة الصحافة ورؤساء تحرير الصحف.. ولأكثر من ساعة تحدث الجنرال “بكري” واقفاً على قدميه بعد أن رفض الحديث جالساً لنخب وقيادات ظل “بكري حسن صالح” الوزير الصامت في القصر يبادلهم التحايا وكثيراً من الود والصرامة والدقة.
} أول حديث للجنرال “بكري” للرأي العام وضع فيه نقاطاً على حروف الأزمة الحقيقية التي تعاني منها البلاد، وهي التسوية السياسية للنزاعات المسلحة في السودان.. وقديماً قيل لا يعرف الشوق إلا من يكابده.. ومن تذوق مرارة الحرب ومآسيها أكثر من العسكريين الذين خاضوا كل الحروبات في الجنوب والشرق والغرب، وأغلبها حروبات من فشل غيرهم ومن صناعة السياسيين!! لذلك قال الفريق “بكري” بصوت ونبرة مزجت بين الحزن الدفين والثقة في النفس: (إذا حاربنا ثلاثين عاماً فإننا في نهاية الأمر سنذهب للتسوية السياسية على طاولة الحوار فلماذا لا نتوصل لاتفاق اليوم قبل الغد حتى لا نهدر الموارد والأنفس).. تلك رؤية الرجل الثاني في الدولة، وأقرب رجالات الحكم للمشير “البشير” حتى اختاره نائباً له بعد أن ائتمنه على أسرار الدولة والقصر والحكومة والحركة الإسلامية طويلاً، فأيقن الرئيس أن “بكري حسن صالح” جدير بموقع الرجل الثاني في الدولة.
} إذا كانت قناعات الحكومة بالتفاوض والحوار قد عبر عنها الفريق “بكري” جهراً في أول لقاء له بقادة الرأي ورجال الإعلام، فإن حاملي السلاح مطالبين أيضاً بإعلان موقفهم الداعم لتوجهات الحكومة الجديدة والالتزام بقواعد الحوار بدلاً عن خيار البندقية، الذي لن يفضي إلا إلى مزيد من الجراحات والموت وهلاك الأنفس وخراب الديار، وقد أضحى السلام مطلباً شعبياً عند أهل السودان، أينما ذهبت وجدت مطالب السلام تعلو على طبول الحرب التي كان يقرعها بعض المستفيدين منها، ولكن تيار السلام والمصالحة ووقف نزيف الدم يقف اليوم في مقدمته الرئيس “البشير” وحكومته الجديدة التي عبر عنها الفريق “بكري حسن صالح”.
} وحينما سأل الصحافيون النائب الأول عن الحريات، وطالبوا بإطلاق سراح الصحف التي أوقفت وعطلت والأقلام التي حجب حقها في التعبير، جاء الاعتراف من الصحافيين أنفسهم قبل أن يستجيب النائب الأول لمطالبهم ووعده بمراجعة ملف الصحافة، حيث ذكر السادة رؤساء تحرير الصحف أن في مناخ الحرب تنتقص الحريات الصحافية، لذلك لا حرية للصحافة في مناخات الحروب والصراعات.. كما لا نهضة زراعية ولا استقراراً سياسياً واجتماعياً في ظل الحرب التي تحصد اليوم الأرواح بالمئات وتعطل الإنتاج، وقد حطمت الحرب مجتمعات كانت عزيزة وشريفة وطاهرة، ونشرت الحرب (البغاء) في مناطق والفساد الاجتماعي والأخلاقي.. وإذا كانت الإنقاذ والحركة الإسلامية التي تقودها تعدّ نفسها رائدة تغيير اجتماعي، فإن الحرب أول من يهزم مشروع التغيير الاجتماعي، وتجعل الدولة ترفع فقط شعارات التعبئة والتغيير السياسي، وهي مهمة قد ينهض بها أي حزب علماني أو اشتراكي!!
} إن دعوة الجنرال “بكري” لجديرة بالتقدير والاحتفاء، وتمثل صفحة جديدة بيضاء قد (فتحت) الآن، تتبعها تغييرات جوهرية في ملفات التفاوض شخوصاً وسياسات واستراتيجيات، لإعطاء إشارة إيجابية للأطراف الأخرى بأن الدولة عازمة على عبور محطة المخالفات السابقة.. نفاوض (فلان) ولا نفاوض (علان).. ونتمادى في جدل عقيم هل “عرمان” يمثل النوبة أم لا يمثلهم؟ ونحدد نحن من نرغب في الجلوس معه، وننكر على الآخرين حقوقهم في اختيار من يمثلهم في وطن الجميع فيه شركاء لا أجراء أو ضيوفاً.. شكراً الجنرال “بكري” في نقاهته يوم إطلالته الأولى!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية