الديوان

مزدحم نهاراً ومظلم ليلاً (1-2): السوق الأفرنجي بالـخرطوم .. ملتقى التاريخ وموئل الثقافة والفنون

هنا الجميع يلهث للضرب على الماضي بعزف ريح الشتاء، فهذه سيرة ستفتح جراحاً مازالت تنبض، فعند ذكر (السوق الإفرنجي) أو (خرطوم بالليل) تشهق الأنفس.. وتحتمي الذاكرة بفلاش باك (أسود وأبيض) لأيامٍ ماضيات. مبانٍ على الطراز القديم ببرنداتها العميقة.. تشع من بين ثناياها لمحة تاريخ حافل عن هذا السوق العتيق.. ومن على أبوابه الكبيرة.. تسمع صوتاً ينبهك قائلاً: إن ثمة حياة كانت هنا.. فتراها بين أعين مرتادي تلك الأمكنة الذين إعتادت أقدامهم على المسير فيها.. يحتويهم حنين.. تسمعهم تارةً يهمهمون في حسرة على أيامٍ ماضيات وهم جادون في المسير أملاً في بعض حياة قد تدب هنا مرةً أخرى.
فعلاً.. فالخرطوم في تلك الفترة كانت حبلى بالجمال.. تضج لياليها فرحاً وأسواقها لا تنام..
جماعة عمل و(معرض مفروش)
ولأن الأرض الطيبة تثمر رغم الرياح الجارفة… فقد آثرت مجموعة من الشباب النشط المثابر (جماعة عمل) بالتعاون مع أصحاب المكتبات أن تلتقي لتقيم على ساحة مقهى (آتنيه) معرضاً للكتاب لأصحاب المكتبات والكتاب المستعمل والإكسسوارات، إضافة إلى معارض تشكيلية على أنغام الموسيقى يوم (الثلاثاء) مع بداية كل شهر على سطح جراج (عمارة أبو العلا).
ساحة الحمام
توجد في الكثير من العواصم ساحة حمام لجذب السياح.. لكن يبدو أن الحمام السوداني.. ذهب إلى مكان السياح لوحده.. ولم يجد سوى بعض الصبية والمتسكعين.. لتقديم الطعام.. ففي ساحة مقهى آتنيه.. توجد مجموعة من الحمام الذي يلتقط الأطعمة من المارة وبعض العشاق بكل إلفة وحب.
شارع الجمهورية
تلمع ضفتاه ويشق وسط الخرطوم ويقطعها من أقصى الإتجاه الغربي في (حي المقرن) وحتى نفق بري.. وعلى أطرافه العديد من المؤسسات والمحلات التجارية المهمة وذلك باعتباره من أهم الشوارع التجارية.
(سوق نيفاشا) إلفة لا تخطئها العين
يُعد (سوق نيفاشا) من الأسواق التي تعرض فيها بضاعة مختلفة ذات ماركات تجارية عالمية تستورد بضائعها من دول المنشأ والموانئ البعيدة كـ(فرنسا، إيطاليا والهند)، وتعرض منتجات جيدة الصنع كالساعات والكاميرات، الأحذية، القمصان وغيرها.
يحتل هذا السوق شارع الجمهورية وبعض الشوارع الجانبية، وتعود تسميته بـ(سوق نيفاشا) إلى تلك الاتفاقية التي أُبرمت بـ(مدينة نيفاشا الكينية)، وأيضاً نسبة إلى العدد الكبير من الأخوة الجنوبيين الذين يعملون بالتجارة، ورغم الانفصال مازال هذا السوق يجمع شمال السودان وجنوبه بإلفة لا تخطئها العين.
وفي معرض طوافنا التقت (المجهر) بالأخ “أوطو سايمون” والذي تحدث قائلاً: ( كنت اشتغل بالأعمال الحرة وأتيت إلى هذا السوق في العام 2000م وعملت في بيع الملابس، واشتكى “سايمون” قائلاً: الأوضاع سيئة جداً في السوق والقوى الشرائية ضعيفة، وقد نضبت حركته تماماً خصوصاً بعد تحويل مواقف المواصلات.. وثمَّن “أوطو” على قيمة (سوق نيفاشا) قائلاً: إن (نيفاشا) يتبع الجودة أينما حلت ونأتي بالبضائع من (دبي) و(مصر)، وكنا نشتري أيضاً من (سوريا) وحتى البضائع الصينية تأتي مباشرة وتكون حسب المواصفات، بينما بقية الأسواق تعمل على حسب حاجة المواطن.
غذاء الروح والجسد في مطعم (بابا كوستا)
ذهبت (المجهر) إلى مطعم (بابا كوستا) وتحدثت إلينا أستاذة “إيمان محمود الفضلي” قائلة: عدنا من أمريكا في العام 1996م أنا وزوجي “عمر يحيى الفضلي” بغرض إنشاء مشروع استثماري، فاقترح عليَّ زوجي هذا المكان عمارة (بابا كوستا) وتحديداً (مخبز بابا كوستا للخبز الإفرنجي) وقمنا بإيجاره من (أولاد المرضي) وكان عبارة عن مخزن، وأنا محتارة كيف أتى على خياله أن يتحول هذا المكان إلى مطعم، وكيف أخرج من تلك الأنقاض هذا الشكل مع مراعاة الاحتفاظ بالأصل وتحديثه، وقمنا بافتتاحه في العام1997م.
وواصلت أستاذة “إيمان” أن سر نجاح مطعم (بابا كوستا) هو الإتقان وعدم القبول إلا بالجودة، ولم يقتصر تفكيرنا على الطعام فقط.. بل حدونا تجاه الغذاء الروحي وذلك حتى يكتمل الشعور بالرضا، فاقترحنا عمل معارض تشكيلية مجانية وهي هدية من المحل للزبون على أنغام موسيقية مثل فرقة (البلو ستارز) وتدشين كتب وإقامة أمسيات ثقافية.
وفي ختام حديثها قالت الأستاذة: أتمنى أن تعود الخرطوم كما كانت بشوارعها النظيفة، وأطلب من محافظ الخرطوم أن يأتي إلى السوق الإفرنجي ويرى بنفسه، ثم يجتمع مع أصحاب العمارات المغلقة والعمل على نظافة (البرندات) وتحسين الإيجارات حتى يعود للخرطوم ألقها القديم، وبذلك تتوفر فرص العمل للخريجين والعاطلين لاسيما وأن الجامعات تخرج سنوياً آلاف من الطلاب.
شارع البرلمان
شارع البرلمان يبدأ غرباً من المقرن إتجاه جامعة النيلين وينتهي بجامعة الخرطوم في شارع (الداون تاون) والإنمائية، ومن المعالم البارزة فيه (المسجل التجاري العام) وشركة (النفيدي) وكلية (علوم المصارف)، وهو من الشوارع ذات التأثير الواضح على مجرى الحياة العامة، إضافة إلى أنه يأخذ شكلاً جميلاً.
محلات الأناتيك والفولكلور
وعلى عمارات السوق الإفرنجي تعمل المحلات التجارية على بيع التحف الفولكلورية من مشغولات يدوية، تماثيل، حقائب جلدية وإكسسوارات، وهي تعرض بصورة رائعة تجذب السياح من (أتراك وصينيين وخلافه) والذين يقصدونه لحمل التذكارات واقتناء التحف العاجية والخشبية والإكسسوارات الفضة والذهب والأحجار مثل المرجان والعقيق وحقائب اليد الرجالية والنسائية والمحافظ والتماثيل التي تصنعها بعض القبائل الإفريقية النيلية.
ومن هناك ذهبت (المجهر) إلى محلات (شنودة فلولكور) وصاحبه “مجدي” وتحدث لنا ابنه قائلاً: إن (الأناتيك) تصنع من خشب الأبنوس ولدينا بعض العقود والشنط، ثم أضاف قائلاً: معظم البضائع تأتي من (كينيا) ويأتي العديد من المشترين سودانيين وأجانب، لكن أغلبهم صينيون وسودانيون.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية