حوارات

أمين الأمانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني دكتور "حسن أحمد طه" (1-2)

د.”حسن أحمد طه” أمين الأمانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني, كان من أوائل الاقتصاديين الذين دفعت بهم الإنقاذ في بواكيرها لوضع سياساتها الاقتصادية، وخلال الـ(23) عاماً التي مضت، ظل من أبرز القيادات الاقتصادية بالدولة.
تحدث د.”حسن” لـ(المجهر) عن الأوضاع الدقيقة التي تمر بها الدولة اقتصادياً، معتبراً الأزمة الحقيقية أزمة سياسية، خلقت على ظهرها الأزمة الاقتصادية، مقراً بفشل جزء من البرنامج الإصلاحي الذي ظلت تنادي به الدولة لـ(3) سنوات خلت، وعن المخارج المتاحة حالياً ليكون العام 2014م، أفضل على الصعيد الاقتصادي.. فإلى الحوار.
} مراقبون وصفوا الملتقى الاقتصادي الأخير بالتظاهرة السياسية؟
– أعتقد أن هذا الحديث غير صحيح، لأن المؤتمر ساهم في إعداد الأوراق له أكاديميون واقتصاديون ذوو خبرة وأخذ الإعداد لهذه الأوراق أكثر من (3) أشهر، وساهمت فيه مجموعات اقتصادية من خارج السودان: البنك الدولي، الإسلامي، وجايتا، ولم يكن هنالك أي وجود سياسي سوى في الجلسة الافتتاحية، وتحدثنا عن الاقتصاد فقط، حتى أن من أعدوا الأوراق لم يشتركوا مع المؤتمر الوطني في التوجه، ولا في السياسة ولا الرؤية.
} المؤتمر غيب الأحزاب السياسية مشاركة وحضوراً؟
– غياب الأحزاب السياسية قرار متروك لها لتجيب عليه، ولكن نحن نتحدث عن مشكلة اقتصادية تواجه البلد، ودعونا له كل ذي فكر ورأي في المجال الاقتصادي، و دعونا كل الأحزاب السياسية، ولكن هنالك من شارك وأحزاب أخرى رفضت المشاركة.
} هناك اتهام أن المؤتمر كان به صرف بزخي، في وقت اتخذت فيه الدولة التقشف شعاراً لها؟
– إذا أردت أوراقاً علمية جيدة لابد أن تبذل جهداً لأجل العلماء، ولا أعتقد أن هنالك صرفاً بزخياً إلا من خلال الوجبة التي قدمت.
وشخصياً أرى أنه كان يمكن تقديم وجبة أقل تكلفة ونراعي شعار الدولة وانتهاجها التقشف، لأن هنالك مسؤولية أخلاقية في مثل هذه البرامج، وأنا وأعضاء اللجنة تبرعنا بوقتنا ولم نأخذ عليه أجراً، وشخصياً خرجت في اليوم الثاني بدون وجبة.
} في اعتقادك إلى أي مدى يمكن أن يساهم المؤتمر الاقتصادي في حل المشكلة الاقتصادية في البلاد؟
– ليس هنالك حل مفتاحي يمكن أن يتحقق بين يوم وآخر، فالاقتصاد السوداني ظل يعاني لقرابة (10) أعوام منذ أن بدأ يظهر كمشكلة حقيقية، ولم توضع لها الحلول في وقتها، فتفاقمت ووصلت لهذا الحد.. ولكن أظن أننا طرحنا اقتراحات يمكن تطبيقها على المدى القصير، وهي معالجات لأخطاء موجودة الآن لتصحيح المسار الاقتصادي. أما الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لتقويم الاقتصاد وإنهاء الأزمة نهائياً، فذلك يأخذ وقتاً ولا يتحقق بين يوم وليلة.. ولكن المؤتمرين (شرحوا الاقتصاد) ووضعوه في المسار الصحيح، وسيكون عائد السياسات إيجابياً، وإذا لم تنفذ السياسات بالطريقة الصحيحة سنواجه نفس الفشل.
} هنالك مختصون يرون أن الوضع الاقتصادي يعود للمشكلة السياسية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد؟
– هذا صحيح والحكومة مقرة بأن هنالك مشكلة سياسية ولم تترك باباً إلا وطرقته لحل المعضلة السياسية، ولم تقل الدولة يوماً أن السياسة لم تؤثر على الاقتصاد.
والذين يقولون إنه لا يمكن حل مشكلة الاقتصاد إلا بحل المشكلة السياسية، يرهنون البلاد للذين يحملون السلاح وهذا كلام غير صحيح. نحن استطعنا أن نخرج من حرب ضروس مع جنوب السودان، وأن نحقق نمواً اقتصادياً ونخرج البترول الذي أحدث نقلة كبيرة في الاقتصاد، ولم نقل إن البترول سيغنينا عن الحل السلمي فنحن مع البترول كنا نسعى للحل السلمي بكل الوسائل والآن نقول إنه لابد من حل الإشكالات السياسية، ولكن لا يمكن أن نرهن معاش المواطن إلى أن نصل إلى حل فلابد أن نعمل على الجبهتين، إيجاد المعالجات الاقتصادية وأي إنفراج سيأتي سيكون لخير.
} هناك من يعتقدون أن ما حققوه بالصبر في حربهم الطويل مع الجنوب، أخذه الجنوب بالسياسة وأصبح ذهاب البترول إخفاقاً يضاف لرصيد الحكومة؟
– هذا الكلام لا أتفق معه لأن البترول جاء بجهد كل السودانيين، شمالاً وجنوباً وهو ثروة بباطن الأرض ولكن إن توصلت إلى اتفاق سياسي مع الجنوب، هذا الاتفاق أوصل للانفصال وهو مطلب قديم للجنوبيين، وبالتالي كانت هذه شروطهم للانفصال.. وإذا لم نفقد البترول كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ.. ولكن البترول كان سيكون ولا يزال في جنوب السودان، وبالتأكيد كان سيكون المستفيد منه جنوب السودان وحده.
} مقاطعة: ألا تعتقد أنه الآن يتمتع بمزايا البترول وحده ويحركه كورقة دبلوماسية لمطالبه؟
– نحن لا نستطيع حرمانهم من ثروتهم الموجودة داخل أراضيهم بمنطق أننا اكتشفناه، وهذا كلام غير منطقي وغير مقبول، وعلينا نحن أن نبحث عن ثرواتنا في باطن أرضنا بشمال السودان، وأرضنا بخيرها ومواردنا كثيرة وسنعوض من موارد أخرى، والآن الذهب أصبح مورداً كبيراً، وفقط نحتاج إلى سياسات فاعلة لتحريك هذه الموارد.
} أين الوفاق مع الأحزاب في التشكيل الحكومي الجديد؟
– أرى أن الرئيس يسعى لحكومة قومية بها مشاركة واسعة من أحزاب مختلفة، وهذا جزء من الوفاق الذي تسعى له الدولة لتعبر هذه المرحلة، خاصة ونحن أمام مرحلة انتخابية قادمة بعد أقل من عامين لابد من الإعداد لها بكل ألوان الطيف السياسي. واعتقد أن هنالك أزمة اقتصادية قائمة وأمامك إشكالية انتخابات قادمة وأحزاب منافسة، فهي مرتبطة بعدة متغيرات داخلية في إطار الحراك والإعداد لدستور جديد، في هذا الإطار جاء التشكيل الوزاري.
} ألا تعتقد أن الدولة تحتاج إلى خبرات وكفاءات أكثر من الترضيات القبلية والحزبية؟
– السودان وضعه متفرد وهنالك إشكاليات سياسية كثيرة وهنالك مناطق وأقاليم، ترى أن مشاركتها في الأجهزة التنفيذية ووضع القرار ضعيف، وبالتالي الإحساس بالغبن والتهميش، لهذا فالمحاولات لتوسعة المشاركة، والتمثيل لابد أن يراعي تمثيل السودان بتنوعه.
لكن هذا لا يعني أن توسيع التمثيل العيني بعدم وجود الخبرات، أعتقد أن الأحزاب المشاركة في الحكومة ستدفع بكوادر ذات خبرات عالية، وهذا موجود فحواء السودانية قادرة على إيجاد الكفاءات لإدارة الحكم بكوادر ذات مستوى رفيع. هنالك قضية أخرى وهي إحساس الشباب بأنهم غير ممثلين ويجب إعطاء الشباب الفرصة للمشاركة، وتطعيم الوزارات بالشباب بجانب الكهول والشيوخ.
} كانت هناك تكهنات تدفع بك وزيراً للمالية في التشكيلة الوزارية التي تم الإعلان عنها؟
– لم أرشح أو أشاور في أي تكوين أو تشكيل، ولم أشارك مع الأجهزة التي تعد للتشكيل الوزاري، أنا بعيد كل البعد لكن أنا مؤتمر وطني وملتزم بقرارات الحزب، وأنا كنت جزءاً من وزارة المالية وقضيت بها (10) سنوات. وكيلاً لـ(6) سنوات ووزير دولة لـ (4) سنوات وبذلت جهداً كبيراً..
وشخصياً أرى أنه لابد أن نفسح المجال للشباب ونفسح لوجوه جديدة في إدارة الاقتصاد وإدارة الحكم وهذا من إيماني ويقيني.
ولن أدخر أي جهد في سبيل هذا الوطن، سواء أكنت داخل الوزارة أو خارجها، وسأظل أعطى إذا كان في جهدي ما يعين.
} د. “حسن” كنت أول من شارك في وضع البرنامج والخطط الاقتصادية في بدايات الإنقاذ، وأنت كنت قادماً وقتها من دول العالم المتقدم لتسهم في بلدك النامي؟
– قد قدمت وقتها من أمريكا وانخرطت في العمل السياسي والاقتصادي مباشرة، وكانت خبرتي قد سبقت عملي في مجال التخطيط الاقتصادي قبل أن أهاجر لعمل الدكتوراة، ورغم أنني عشت فترة طويلة في أمريكا وانجلترا، إلا أنني اتجهت بدراستي ناحية الدول ذات الاقتصاد الأقل نمواً.
عندما أوكل إلينا وضع خطط اقتصادية لبلد كانت تعاني من تدهور اقتصادي كبير، وضعنا نصب أعيننا (3) قضايا لتحريك الجمود الاقتصادي.
اتجهنا في الأولى إلى فتح مجال أكبر للقطاع الخاص ثم كان لابد من توجيه سياسات الاقتصاد لدعم المنتجين، خاصة وأن الدولة كانت تعمل وقتها على دعم المستهلكين على حساب المنتجين، لاحظنا وقتها أن المنتجين يتحملون تكاليف الإنتاج والعائد كان بسيطاً، بجانب دخول السماسرة ليأخذوا أضعاف ما يناله المنتج نفسه.
بعد ذلك كان لابد من فتح أبواب الاستثمارات الأجنبية وكانت هذه الـ (3) تحولات، بالإضافة إلى قضية الاستدانة التي هدفنا من ورائها دعم البنيات التحتية الأساسية، وكانت يمكن أن تكون استدانة إيجابية، ولكن ما حدث عكس ذلك إذ أدت الاستدانة إلى التضخم، كما أن عدم ثبات قيمة العملة الوطنية (الجنيه) حتى الآن من أكبر أخطائنا الاقتصادية، لأنه يؤدي إلى تآكل رؤوس الأموال وأكثر ما يتضرر منه هم المستثمرون الأجانب والمغتربون بجانب شريحة الفقراء، لأن التضخم يضرب الفقراء أكثر من الأغنياء.. لذلك انتقلنا إلى المرحلة الثانية وجاء برنامج الإصلاح الاقتصادي الأول، وكانت ثورة أدت إلى تحريك الجمود الذي دام لأكثر من عقد من الزمان حتى قبل الإنقاذ، وأحدث نمواً إيجابياً لحقبة طويلة.. ثم بدأنا الآن نعاني من نفس الدائرة الأولى مرة أخرى..
} مقاطعة: تقصد أن الوضع الاقتصادي الآن بات شبيهاً بالمربع الأول للإنقاذ، ونفس الظروف الضاغطة من ارتفاع الأسعار، طوابير الرغيف وارتفاع أسعار الوقود؟
– لكن .. لكن نحن الآن في مستوى اقتصادي أعلى مما كنا عليه من قبل، يعني نوع الاستهلاك وكمية الموارد المتاحة، كلها تعتبر أفضل من قبل، فقط بتصحيح السياسات المالية الكلية الآن وفي وجود الجدية والمثابرة يمكننا عبور هذه الفترة، أسرع مما عبرناها في المرحلة الأولى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية