العاطفيون و"طه"
حمل الأسبوع الماضي الكثير من التطورات والأحداث السياسية، على نحو ما هو معلوم بشأن التغيير الذي طال واجهة (الرئاسة)، والمجلس الوطني وطاقم وزراء المؤتمر الوطني من حصته في حكومة القاعدة العريضة، وقد أفاض الشراح والمفسرون في البيان والتبيين للمسألة وأغرق المدونون ساحات الأسافير بالغث والرصين في الإدلاء بآرائهم فيما يجري، ولست في حاجة لـــ(ردم) المتلقي الكريم باجتهادات جديدة، فما جرى قد جرى ولم يبق سوى انتظار محصلة عطاء العهد الجديد، وهي محصلة من المهم التعامل مع خلاصاتها بموضوعية، إذ أنها حكومة مؤقتة محكومة بمواقيت الانتخابات المقبلة (2015) رغم أن همومها كبيرة ولا يمكن إنجاز بعضها في عامين أو ثلاثة.
ما أود الحديث عنه أمر لفت نظري أثناء تدافع البعض من العوام والخواص لمنزل الأستاذ “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، وقد حرصت على غشيان منزله لتحيته، ومنهجي في ذلك (بارك الله فيمن زار وخف)، وقد عجبت حينما وصلت المنزل إذ اكتظ بوفود من الشباب والطلاب والطرق الصوفية والسياسيين، وصار أي واحد من هؤلاء يخطب لعشر أو عشرين دقيقة. وصحيح أن تلك المسألة تقليد كريم وإنما يظهر لإظهار الوفاء لقيادي رمز وشيخ مبجل لا يحتاج أمر نزاهته ورجاحة عقله إلى برهان ونداء هتافي، فــ”طه” يبقى رغم تخرصات وتطاول البعض علامة وبيان عز في مسيرة الإسلاميين بالسودان.
نصحت حينما تكاثر الخطباء وتصاعدت انفعالاتهم العاطفية بتجاوز هذا، ومن كان حقاً على طريقة ومسيرة “شيخ علي”، فإن الطريق لا يزال طويلاًً والمسير مستمر، ولتكن تلك الأقوال والكلمات الطيبة مكانها ميدان العمل السياسي والتنفيذي للمتحدثين والمستمعين معاً، ولئن عرف عن النائب الأول السابق زهده وتواضعه وعفة لسانه، فليكن كل المحبين له كذلك. وقد كلفت الدولة أغلبهم بالحقائب الوزارية والمناصب وقدمتهم فليكن إذن نهجهم العمل الجاد والمثابرة، والأداء المتميز والنتائج الباهرة فكلها مما يعد أفضل أنواع التكريم ورد الجميل ثم الوفاء والعرفان، وأما (الكلام الساكت) فيمكن لأي شخص يحسن الحفظ والإلقاء إجادته.
إن نكن أوفياء ونظل لرموزنا وقادتنا فذاك قطعاً أمر حميد، ولكن أن نبقى أمة من العاطفيين فذاك ما يردنا إلى ما قيل وقال، وكثرة الرد ثم تعاظم نظريات المؤامرات الافتراضية، وإنما يدخل الشيطان من خلال تلك التفاصيل حينما يجد ضالته، في نفس تنظر للمشروع الوطني برمته من خلال وجود دور لقائد أو تراجعه، مع أنه يمكن لبعض القيادات أن تواصل نشاطها وحضورها ثم بذلها بذات الحماسة الأولى، والإفادة من أماكن خارج السلطة، بل واثق بأن القدرة على اختيار النصيحة المناسبة والإرشاد الأفضل يمكن أن يأتي بنتائج أكثر ايجابية، حينما يكون الناصح بعيداً عن رهق السلطة وتجاذبات الحراك السريع على مدار الساعة واليوم، في بلد لا يهدأ الوضع فيه إلا ليزيد من سرعة إيقاع الأحداث والوقائع.