تقارير

مؤتمر تدشين (حركة الإصلاح الآن)..وقائع ظهيرة ساخنة جداً!

الأجواء الباردة التي كانت تنبعث من أجهزة التكييف التي انتشرت داخل الصيوان الفخيم، الذي كان منصوباً في منتصف حديقة منزل د.”غازي صلاح الدين” ظهيرة الأمس بحلة خوجلي ببحري، كانت تختلف تماماً عن الكرسي الساخن الذي جلس عليه د.”غازي” لتدشين (حركة الإصلاح الآن) التي كانت مولوداً شرعياً لمعظم موقعي مذكرة الإصلاح، التي قدمها عدد من القيادات السابقة في المؤتمر الوطني إبان الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
فقد أحالت تداخلات وأسئلة ممثلي الصحف المحلية والأجنبية ومراسلي القنوات والوكالات العالمية، باحة الصيوان إلى شبه محاكمة امتدت لنحو ساعة ونصف، حاصروا خلالها د.”غازي” بحزمة أسئلة حارقة وصلت في بعضها إلى سجالات ساخنة للغاية، تحول بعضها إلى اتهامات صريحة إبان فترة تقلده مناصب سيادية. وفتح خلالها الصحافيون ملفاتٍ حول الإسلام السياسي وجدواه خلال الفترة القادمة، وما تعانيه الحركات الإسلامية في المنطقة عموماً، وعن موقف الحركة الجديدة من الحركات المسلحة والأحزاب السياسية، وأسئلة مباشرة عن إمكانية أن يتقدم باعتذاره عن الفترة التي قضاها داخل الحزب.
بدأ د.”غازي” المؤتمر الصحفي لتأسيس (حركة الإصلاح الآن) بتساؤل كان محوراً أول حول (هل من حاجة إلى حزب جديد؟) ثم تكفل بالرد قائلاً: الساحة بحاجة إلى دفع نحو الوحدة الوطنية، وبحاجة إلى أدبيات وقيادات تقيم وطناً على أسس ثابتة، مشيراً إلى أن أول ثوابت الدولة التي وصفها بأنها اضمحلت على مر الأيام هو كفاءتها وحيدتها وهيبتها، وأنها انحازت إلى هموم الحكام على حساب هموم المحكومين، مبيناً أن وعي الدولة والتزامها تجاه مواطنيها قد ضعف، واختل نظام العدالة سواء إن كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية، وأعدى داء الفساد المالي والإداري كل مرفق حتى أضحى مسلكاً ممنهجاً.
وأشار إلى أن أخطر التهديدات التي يواجهها السودان اليوم هو تفكك نسيجه الاجتماعي وضمور خصائصه الثقافية، جراء الصراع على السلطة باستخدام القبلية والجهة كأداة للتمكين السياسي، إلا أن إشارات أبرقها نبه من خلالها إلى أن ثمة ما يشجع على التفاؤل والمضي في ذات اتجاه الإصلاح البناء، هو أن السودان برغم تحدياته الجغرافية ومعضلاته التاريخية ما يزال يحمل وعداً كبيراً لنفسه ولجيرانه، ولمجمل التجربة الإنسانية، يبدأ من موقعه الجغرافي الذي أهله ليتلقى تيارات التفاعل الإنساني من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه وفي الاتجاه المعاكس أيضاً.
خيار الحد الأدنى
رغم النقد العنيف الذي قدمه د.”غازي” لمجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المؤتمر الصحفي، إلا أنه دافع بشدة عن ما أسماه، بالانطباع السائد، بأن معضلات السودان وأزماته لم تعد قابلة للمعالجة. ووصف ذلك بالانطباع بأنه غير صحيح وطرح في ذلك أولى إخراجات الحركة الوليدة، وأطلق عليها اسم (خيار الحد الأدنى). وقال عنه إنه يستند إلى فكرة بسيطة تتمثل في البحث عن الأرضية المشتركة، التي تعبر عن نفسها من خلال منتوج نهائي يتوافق عليه الجميع، لافتاً إلى أن التحدي يكمن في كيفية اكتشاف هذا الحد الأدنى، الذي يتيح لكل صاحب مذهب أن يدعو إلى مذهبه بحرية، وهو مجموع الآليات المحايدة التي تضمن ممارسة الحقوق الدستورية دون تقييد، أو انحياز الدولة إلى فريق دون آخر.
ثمة ملامح أولية لا يمكن إغفالها في الحركة التي بدأت بأغنيات وطنية لـ”مصطفى سيد أحمد” المعروف بيساريته، ولعلها أرادت بعث رسالة مفادها أن السودان للجميع. وظهرت الملامح التي نطق بها د.”غازي”، أو تلك التي كانت منتشرة في واجهة المؤتمر، ومن أهمها (وطن يسع الجميع ) وهو الشعار الرئيس للحركة بالإضافة لشعارات مثل (حركة تسعى لتعزيز الوحدة الوطنية)، وعلى صناعة جيل قادر على التفاهم والتسامح، ووضع أسس قوية لوطن جديد يدفعه الطموح نحو أفق بعيد.وأبان د.”غازي” أن السمات العامة لحركة الإصلاح الآن، تتمثل في الجماهيرية والشورية والإصلاح والمرونة والشفافية والشبابية والعلمية والانفتاح، مؤكداً أن موقفهم من القوى السياسية قائم على الاحترام والتعاون والبر والتناصر، فيما يعزز وحدة السودان والسودانيين ويحقق أمنهم ورفاهيتهم.
وأكد .”غازي” الذي وصف صفته داخل (حركة الإصلاح الآن)، بأنه بمثابة قائم بالأعمال، إلى حين اكتمال أجسام الحركة التي قال إنها في طور التأسيس حتى الآن، أكد أنهم ليسوا مغاضبين من أحد، ولا عداوة بيننا والمؤتمر الوطني أو أي حزب آخر، لافتاً إلى أن أعجل هموم المرحلة خلال الفترة الحالية تتمثل في الأزمة الاقتصادية، محذراً من أنها إذا لم تحل بإصلاح كلي فإن الأزمة لن تحل، وستظل أوضاع الدولة تتدهور حتى تنهار، بالإضافة إلى الأزمة السياسية وأزمة العلاقات الخارجية التي دعاها إلى الانطلاق من إستراتيجية صحيحة، مبيناً أن من أهم هموم المرحلة هو الإصلاح السياسي. وقال إن من أهم شروط إصلاحه هو وجود الحرية، لافتاً إلى أن الفترة القادمة تمثل اختباراً حقيقياً للحكومة و(الإصلاح )التي وعدت، مؤملاً أن لا يختزل في تغيير مواقع الأشخاص.
كرسي ساخن في أجواء باردة
كان د.”فضل الله عبد الله” مسئولاً من إدارة المنصة التي كان يتحدث فيها د.”غازي”، وأسندت له مهمة توزيع الفرص على الصحافيين، وما أن فرغ د.”غازي” من تلاوة البيان التأسيسي للحركة، حتى توجه د.”فضل الله” نحو الصحافيين لإتاحة الفرصة لهم، للدفع باستفساراتهم وأسئلتهم تجاه التكوين السياسي. ولكن خلال لحظات تحول المؤتمر إلى ما يشبه المحاكمة من الصحافيين، صوبوا فيها أسئلة ساخنة جداً للمنصة ولدكتور “غازي”، ومحاسبته على فترة تواجده داخل أماكن صنع القرار داخل الحزب الحاكم. وتساءل بقوله إنه وبعد فترة (24) عاماً هل أجد من يستمع لي؟ ورد قائلا :(إذا لم أجد من يستمع لي سأتنحى)، مؤكدا أن صدر الحزب الحاكم ضاق بهم، لافتاً إلى أنهم قدموا مذكرة قوية جداً نالت اهتمام الشعب السوداني إبان فترة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، التي قال إنها لن تحل الضائقة المعيشية. وفي رده على سؤال حول مساندته للرقابة القبلية على الصحف، نفى “غازي” ذلك تماماً، وأكد أنه كان أول من منح مرور إذاعات الاف أم المستقلة، مشيراً إلى أنه كان وسيطاً بين الحكومة والصحافيين، معتبراً ذلك محض إدعاء. ودارت عدة أسئلة حول جدوى وجود كيان سياسي يؤسس على مرجعية إسلامية، ولم ينفِ د.”غازي” انتقاده لتجربة الإسلام السياسي، وقال إن ذلك يقر به كل الإسلاميين، مرجعاً السبب في ذلك إلى كونه جدل بشري قابل للصواب والخطأ.
وعن علاقة الكيان الجديد بالأحزاب السياسية أكد د.”غازي”، أن علاقتهم بالأحزاب ستكون علاقة تشاور وتناصح، وأنهم سيقدمون أطروحاتهم الكاملة التي قد تكون مقاربة أو مخالفة.
وانتقد د.”غازي” وصفه بالنخبوي والصفوي، وتابع: في كل الوظائف التي عملت بها لم يتم وصفي بأنني نخبوي أو صفوي، وزرت (16) ولاية في السودان، ولست بعيداً عن الجماهير ولا اتأفف من الزحام، ولا أجد حساسية في ذلك. وأردف:حزب الإصلاح الآن لم يقم وربما يأتي شخص آخر لقيادته ولست الضمانة الوحيدة لنجاحه، لافتاً إلى أنه لا يزال مجرد حراك وليست لديه حواف معلومة، ولكنه ممتد في داخل الناس.
وعن تمويل الحركة قال إنه لا توجد حتى الآن جهة خاصة تستطيع أن تمول حزبنا جهاراً نهاراً، ولكننا نعول على النية الحسنة والوعود الحسنة من تبرعات الحادبين على الفكرة، مؤكداً أنهم يشكون من ضيق ذات اليد.
وفي رده على سؤال حول إمكانية عودتهم إلى المؤتمر الوطني مرة أخرى في حال أزيلت المعوقات التي اعترض عليها، قال ممازحاً:(أدعو المؤتمر الوطني إلى أن ينضم إلينا)، وأردف: نحن نعمل الآن داخل البلاد وفي الولايات وخارج البلاد، وأضاف:(هناك قيادات من المؤتمر الوطني يحتمل انضمامها إلينا)، إلا أنه عاد وأكد أن تعويلهم على الشعب السوداني في الاستجابة لفكرتهم، مبيناً أن كل إخفاقات الإنقاذ ليس له فيها إلا الجانب الايجابي، مثل توقيع اتفاقيات مع الحركات المسلحة، ومنها اتفاقية وقف العدائيات. وختم حديثه راداً على أسئلة عدة حول تقديم نقد ذاتي لتجربته في الإنقاذ، واعترافه بارتكاب أخطاء فقال:(مستعد للمحاسبة وأرجو أن يكون كل الناس مستعدين للمحاسبة).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية