المنتدى العربي للحرية بـ(تونس).. هموم الصحافة وتقاطعات السياسة؟!
(تونس ما عادتش خضراء).. هذه العبارة فتحت آذاننا لواقع (تونس) في نسختها الجديدة بعد الثورة وتولي (النهضة) للحكم، وقائل تلك العبارة هو شاب تونسي يسمى «خليل» يعمل سائقاً لدى السفارة السودانية هناك.. كلمات الخليل التي رد بها على سائله عند وصولنا إلى مطار (قرطاج الدولي) بـ(تونس) أخذت منحى مختلفاً عن ما قصده السائل والذي لم يتعد أن يسأل عن خضرة الطبيعة التي ميزت (تونس) وأصبحت ملازمة لاسمها أينما ذكر، والخليل كان يرمي إلى دنيا السياسة وتغير الأحوال ما بين (تونس) «بن علي» و(تونس) (النهضة).
طوال الأيام الثلاثة التي قضيناها هناك اتجه كل من قابلناه إلى عقد المقارنات بين ماضي (تونس) وحاضرها.. والبعض بدا غير متفائل بالمستقبل الذي ربما ستؤول إليه بلادهم في ظل ما يسمونه بالتمترس في المواقف خلال الحوار الوطني بين (النهضة) وقوى المعارضة، والبعض الآخر بدا أكثر اهتماما بالاقتصاد والاستثمار وقطاعات السياحة التي تشكل النسبة الأعلى في (تونس)، إضافة إلى مدخلات الزراعة، واللافتات والإضرابات نشاهدها بكثرة بين العمال هناك.
المنتدى العربي لحرية الصحافة.. تقاطعات الصحافة والسياسة!!
زيارتنا إلى (تونس) برفقة الأستاذ «محمد عبد القادر» رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم) والأستاذ «محمد حامد تبيدي»، ورافقنا من المنظمة السودانية للحريات الصحفية الأستاذ «التجاني حسين» ووجدنا هناك الأستاذة «درة قمبو».. ودُعيت لحضور تلك الفعالية من الاتحاد الدولي للناشرين (WAN/IFRA) وترتيب الإجراءات عبر المركز القومي للتخطيط الإعلامي، في منتدى شاركت العديد من المؤسسات والمنظمات والنشطاء السياسيين من مختلف البلدان العربية والدولية بجانب مشاركة ناشري الصحف ورؤساء التحرير والخبراء والمهتمين. أما الموضوعات التي تناولها المنتدى فقد ركزت بشكل كبير على مناقشة حاضر الصحافة الورقية ومقارنتها مع الصحافة الالكترونية، من حيث الاستثمار والتناول التحريري للأحداث والمواد الصحفية المختلفة، وفكرة المنتدى قامت على جمع عدد من النشطاء السياسيين والصحفيين المهنيين لإجراء نقاشات وتقييم للصحافة الورقية وصحافة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، واتس أب… الخ).
النقاشات كانت ساخنة خلافا للمناخ الذي عُقدت فيه الورشة والذي لم تتجاوز فيه درجة الحرارة في أفضل حالتها (10) درجات، ولكن قاعة فندق (قولدن توليب) بوسط العاصمة (تونس).. كانت المداولات داخلها ساخنة لدرجة أن الذين يديرون النقاش اضطروا إلى مهاجمة الصحافة العربية واتهامها بقتل مهنة الصحافة في شكلها الحالي، وطال الهجوم بشكل كبير رؤساء التحرير، بل أن البعض حينما تحدث عن استقلال الإعلام طالب بضرورة إشراك الصحفيين في ملكية الصحف، والجدل الأكبر كان بين المهنيين والنشطاء السياسيين والتساؤلات التي طرحت حول التأثيرات الناتجة عن استغلال النشطاء السياسيين للصحف والمواقع الالكترونية للترويج عن أفكارهم وإمكانية إتاحتهم الفرصة للرأي المخالف لهم.
بلدان الربيع العربي حظيت بالحظ الأوفر من النقاش لواقع ومستقبل الصحافة، حيث تحدث مشاركون في المنتدى عن تضييق يمارس على العاملين في الصحافة والإعلام نتيجة لصعوبات مالية وضغوطات سياسية تعيشها بلدان الربيع العربي، إضافة إلى ضعف التجربة في تلك البلدان.
مطالبات بدعم صحافة النشطاء السياسيين!!
بدا واضحا أن مفهوم التغيير هو الذي سيطر على منظمي المنتدى نظراً لتركيز الهجوم من خلال الأوراق والنماذج التي تم عرضها، تركيزها على الهجوم على الصحافة العربية والدعوة لاستغلال الفضاء الواسع من النشر الالكتروني للترويج للأفكار والمواقف السياسية، وداعمو تلك الفكرة يتقدمهم الشاب «سامي» التونسي الجنسية وممثل منظمة شباب البلد المصرية، كما أن رئيس مؤسسة حرية الصحفي «خالد الحمادي» دافع في ورقته عن تجربة النشطاء والمدونين اليمنيين في إيصال صوتهم للعالم والدور الذي يلعبونه في التأثير على وسائل الإعلام التقليدية المحلية والدولية، وتحدّث عن تجربة الناشطين اليمنيين من الشباب خلال فترة الثورة الشعبية وما بعدها ودورهم البارز في صناعة الأخبار.
المنتدى ومقدمو الأوراق تناولوا جوانب أخرى ومطالبات ركزت على ضرورة تقديم الدعم لفكرة الصحفي المواطن وتدريبهم على استخدام وسائل الصحافة المختلفة والتعامل معها في نقل المعلومات، حتى ينتقلوا إلى عالم الاحتراف في المهارات الإعلامية التي يرغبون فيها ويمارسونها وتزويدهم بالتشجيع والرعاية المستمرة، وذلك ما دفع بالأستاذ «محمد عبد القادر» رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم) للحديث عن التهديدات التي تواجه الصحافة نتيجة لتدخلات النشطاء السياسيين.
ما بين (تونس) و(مصر).. ثمة روابط أكبر من الثورة!!
لم نجد وقتاً للوقوف تفصيلاً عند العديد من المقار والمواقع السياحية والجمالية في (تونس)، ورافقنا «خليل» في رحلة قصيرة إلى قمة تمكن معتليها من النظر إلى (تونس) بكاملها، وفي الطريق إلى تلك القمة تمكننا من مشاهدة الميني العسكري الذي تم فيه احتجاز شقيق «بن علي» الأصغر والذي ينادونه هناك بحسب محدثنا بـ(الفتى المدلل)، وعلمنا أنه ما زال سجيناً هناك، وصلنا إلى مرسى (البحر الأبيض المتوسط) وعلمنا أن المدى الزمني بين الموقع الذي نقف عليه في (تونس) وبين (ايطاليا) لا يتعدى سوى ساعتين عبر التهريب بالزوارق في البحر، وفي اتجاه آخر تجد أن السياح يتجولون على الشواطئ رغم برودة الطقس ويلتقطون الصور، وقبل وصولنا لفت انتباهنا الخليل إلى قصر الرئيس المخلوع «بن علي» الذي تحرسه قوات عسكرية من الخارج وتبدو أبوابه محكمة الإغلاق، وفي طريق عودتنا التقطنا الصور أمامه على عجل باعتبار أن الوقوف ممنوع في تلك المنطقة.
جدل النهضة ومتاريس النظام البائد!!
الجدل كان محتدماً وإن أخذ أشكالا ناعمة بين سائق العربة «خليل» والأستاذ «محمد حامد تبيدي»، فالأول رغم تمسكه بالنهضة من خلال الانتخابات الماضية في (تونس) إلا أنه بدا ساخطا عليها وتحدث عن عدم امتلاك قادتها للخبرة في إدارة الدولة نظراً للفترة الطويلة التي قضوها في المنافي والسجون، لكن «تبيدي» كان يرى أن اختيارات الشعوب يجب أن تحاكم عبرهم بذات الطريقة التي وصلوا بها إلى الحكم، وأن يكون الحكم على التجارب عبر الصناديق في الانتخابات التونسية المقبلة.
استمر ذلك النقاش الهادئ والعميق طوال الأيام التي قضيناها هناك، ولكنه أصبح حواراً وطنيا بين (التوانسة) بمجرد وصولنا إلى قمة قصر الرئيس المخلوع «زين العابدين بن علي»، حيث وجدنا أن مهندسا زراعياً يشرف على محاربة (دودة النخيل السوداء) والتي تؤثر على نمو النخيل وقتله لاحقاً.. «الخليل» سأل المهندس عن تاريخ دخول تلك الدودة وقال ببراءة: (هي ظهرت بعد الثورة؟)، لكن المهندس الزراعي فهم السؤال من زاوية السياسة ورد بذات الميزان قائلا: (لا دي من تركة النظام البائد).. قُلت إن الجدل الذي يصل إلى درجة أن الدودة تتسبب في إيجادها الأنظمة السياسية كفيل بتعميق الخلاف بين أبناء الوطن الواحد.
نساء (تونس) بين السحر والاختفاء!!
المرأة في (تونس) تعمل وتنشط وتتحرك وتدرس، يكاد لا يوجد تمييز بينها والرجل، ولكن الحديث بين الثوار أخذ مساحات واسعة من أن النساء كن بلاء لمعظم حكام (تونس)، ويستدلون بـ»ليلي الطرابلسي» زوجة الرئيس المخلوع «بن علي»، وما لديها من أموال وما استخدمت من وسائل للسيطرة على الكثير من المقاليد الداخلية في الزمن الماضي، واتجه أحدنا للسؤال عن زوجة الرئيس التونسي الحالي ومقارنتها مع ما قامت به السابقات، فكان الرد أن الزوجة الحالية (مااشتهرتش.. ولا حد يعرف عنها حاجة).
النهضة.. آمال وأحلام في الانتظار!!
الغلاء والبطالة وضنك العيش كانت أبرز هموم الشارع التونسي، والكثيرون طلبوا منا أن لا نحكم على واقع (تونس) من مشاهدتنا للعاصمة (تونس) ويقولون إن خارجها فيه الكثير من الفقراء الذين يحتاجون الدعم والمساعدة، قلت في نفسي يبدو أن واقع الشعوب متشابه إلى حد كبير والهموم مشتركة، لكن سعر الدولار عندهم لا يزيد عن (1,6) دينار رغم الغلاء الكبير في السوق، وأحاديث الشارع وصلت إلى المطالبة باستغلال مقر الحزب الحاكم في عهد «بن علي» باعتبار أنه أعلى مبنى في وسط العاصمة (تونس)، والبعض طالب بفتحه مشفى لمعالجة المرضى بدلا عن إغلاقه دون فائدة.. ويبدو أن تلك الهموم وغيرها توضع في دفاتر النهضة التونسية في انتظار التوقيع عليها.
شارع «الحبيب بورقيبة».. قصة ثورة بدأت من هناك!!
تطل عليه العديد من المقار التاريخية والمعالم السياحية المتمثلة في المقاهي والسفارات ووزارة الداخلية التونسية، وهو الشارع الذي شهد الاعتصامات والتظاهرات التي أطاحت بنظام «بن علي»، ولكن شكله الآن بدا مختلفا وعادت الحركة فيه إلى طبيعتها والناس يجلسون على المقاهي يتبادلون الأحاديث كل حسب اهتماماته، وكنا من المتجولين والمشاهدين لذلك الطريق.
الصحافة التونسية.. السباحة وسط تيارات الانقسام!!
العديد من الصحفيين التقيناهم، وزرت صحيفة (السور) التونسية التي تمثل تيارا معارضا في (تونس) ويشكو قادتها من كثرة البلاغات بل والتهديد بالتصفية في مواجهة مديرها العام نتيجة لما تنشره من أخبار ومعلومات، وفي اتجاه آخر تحدث صحفيون عن حريات واسعة تعيشها الصحافة التونسية بعد الثورة وأن الانقسام في المشهد السياسي هو الأكثر تأثيرا على أداء الصحافة والصحافيين.
سفارة السودان بـ(تونس).. شكر الله صنعكم!!
رغم الشكاوى من شح الإمكانات التي تعيشها وزارة الخارجية وسفاراتها بالخارج، إلا أن سفارة السودان في (تونس) ممثلة في المستشار الدكتور «عبد العزيز خالد»، و»عبد الله» و»الخليل» قد استقبلونا في المطار وأحسنوا الترتيب لزيارتنا إلى الصحف التونسية وإجراء بعض المقابلات الصحفية مع آخرين هناك، ورغم أن طاقم السفارة قليل إلا أن بشاشة استقبالهم لضيوفهم تعكس أصالة معدن السوداني أينما وجد.
تعظيم سلام لهؤلاء!!
– الجمهور التونسي في مباراة (الصفاقسي) و(مازمبي الكنغولي) كان يستحق الاستمتاع به وأخذ الدروس منه في التماسك والتمسك بالتشجيع طوال زمن المباراة.
– الدكتورة «بلقيس عثمان العشا» السودانية الحاصلة على جائزة (نوبل) للبيئة يرافقها الدكتور «بكري محمد عبد الكريم» والذي غاب عن السودان ثلاثين عاما والخبير في المياه الدكتور «خالد» وجميعهم يعملون في البنك الإفريقي للتنمية هناك.