للجزيرة قضية!!
} ليت المؤتمر الوطني اعترف جهراً بأن مشروع الجزيرة قضية عادلة تستحق المعالجة وتدارك القصور الذي اعتراه خلال السنوات الماضية.. وليت المؤتمر الوطني أنصف ولايات الجزيرة في حكومته المرتقب تشكيلها في مقبل الأيام، بعد اختلال ميزان السلطة لصالح شمال السودان وغرب السودان وشرقه، وتلاشى نصيب الجزيرة إلى العدم في مشروعات التنمية القومية. مات مشروع الجزيرة بسوء التدبير وقصر النظر والتفكير.. مشروع حمل السودان على أكتافه عشرات السنين.
} كيف ندعه يموت هكذا؟! مشروع الجزيرة كان بوتقة اجتماعية انصهرت فيها القبائل والجماعات العرقية المختلفة، وكان وحدة سياسية ومشروعاً اقتصادياً ناجحاً للقطن والفول والذرة والثروة الحيوانية.. ولكنه قتل في رابعة النهار الأغر..
} الجزيرة هي الوسطية في السودان بلا عصبية ولا قبيلة ولا عنصرية، ولكن تمثيلها في السلطة أخذ في التلاشي لصراخ أطراف أخرى من الوطن جنوباً وغرباً وشرقاً. وأرضعت الدولة من ثديها وضرعها من ارتفع صوته باكياً، وتجاهلت صاحب حق صابر على الجوع، محتسباً أمره لرب العباد، فذهبت سلطة مجلس الوزراء ما بين شندي، والفاشر، وبورتسودان، وكادقلي، وتركوا الجزيرة تلعق جراحاتها، تنتظر القطن المحور وراثياً، والتقاوي التركية التي أفسدها الأفندية، ووعود بالنهوض بمشروع الجزيرة الذي وضع قانون جديد له في (3) سنوات، ولم يتبدل حاله إن لم يسُؤ يوماً بعد الآخر..
} كان الراحل “عبد الوهاب محمد عثمان” هو الوزير الوحيد الذي ينتمي لولاية الجزيرة، بعد إبعاد “الشريف ود بدر” لهامش الحزب وأطراف السلطة، وإقصاء البروفيسور “الأمين دفع الله” أحد أنجح من تولى ملف الحكم الفيدرالي في السودان، ومغادرة الدكتورة “أميرة الفاضل” لمنصب وزير الرعاية الاجتماعية إرضاءً لعلي محمود وزير المالية، وأخيراً أصبح كل نصيب ولايات الجزيرة وزير دولة بالمالية ونائب محافظ لبنك السودان، وهي وظيفة إدارية في أعلى هرم الخدمة المدنية..
} تستحق ولايات الجزيرة وجوداً فاعلاً في مجلس الوزراء، ونصيباً في رئاسة الجمهورية مثل الشمالية ودارفور والشرق؛ اعترافاً بفضلها في نهضة السودان الحديث، ومشاركة لإنسان صابر على الأذى، لم يحمل سلاحاً في وجه الدولة يقتل وينهب ويحرق ويسلب ثم يكافأ بمنصب رفيع وتبذل له المطارف والحشايا.. والجزيرة ليس مدني والحصاحيصا، وإنما هي الإقليم الأوسط الكبير من النيلين الأبيض والأزرق وما بينهما من أرض خصبة وإنسان أعطى ولم يأخذ شيئاً..
} في الأسبوع الماضي اعتصم أهالي النيل الأبيض من قرى الهشابة والأعوج أمام القصر الجمهوري، مطالبين بحقوق أهدرت ونفوس بريئة قتلت، وأراضٍ زراعية توارثوها من الأجداد قد سلبت في رابعة النهار لقيام مشروع سكر النيل الأبيض.. وتلكأت السلطة في إنصاف المحرومين والمظلومين، ولم يجد المحتجون وزيراً يسندهم ولا مساعداً للرئيس يمسح دموعهم وأحزانهم، ولا حتى قيادات في البرلمان تطمئنهم بأن حقوقهم لن تهدر.. وولايات السودان من غير الجزيرة تنال التمييز الإيجابي في التعليم العالي كدارفور وكردفان، وتتمدد الطرق الأسفلتية من قرية إلى قرية كالشمالية وشرق السودان.. وتزدهر مشروعات وتنهض مطارات في مروي وعطبرة والأبيض والجنينة وكادقلي، والجزيرة تشكو وتتوجع ألماً، ولا ينظر لمطالبها، وحينما ينهض بعض أبنائها مطالبين بحقوقهم (تتحسس) الحكومة أشياءها وترمي المطالبين بحقوقهم المشروعة بتهمة (التسييس) وتدعي أن هؤلاء مدفوعون من جهات معادية، ولا تسأل نفسها هل ما يدعون حق أم باطل؟!
} الاعتراف بحقوق الجزيرة المهضومة من بحر أبيض إلى سنار والدندر وحنتوب و24 الشرقي، يمثل خطوة أولى نحو الحل المرتجى والمنتظر لإنسان من حقه علينا أن نقف معه في عثرته ومسغبته.