حوارات

مدير جهاز المخابرات الخارجية في عهد (مايو) السفير "عثمان السيد" لـ (المجهر) "2"

في حوار الأسرار والخفايا جلست (المجهر) إلى السفير اللواء “عثمان السيد فضل السيد” بمكتبه بمركز الدراسات الأفريقية بالخرطوم، وهو حاصل على الماجستير من الجامعة الأمريكية ببيروت، وعمل مديراً لفرع المعلومات، ثم مديراً لفرع المخابرات الخارجية، وعندما تم ضمه للأمن العام والقومي أصبح مديراً للأمن الخارجي، ووصل حتى منصب وزير الدولة بالأمن الخارجي، ثم عمل سفيراً للسودان بإثيوبيا لأربعة عشر عاماً حتى وصل إلى منصب عميد السفراء العرب والإسلاميين في أثيوبيا..
(المجهر) حاورت “السيد” في الملفات الساخنة في عهده وعن أخطر العمليات الاستخباراتية في الماضي، وخرجت منه بحزمة إفادات جريئة حكى خلالها عن الأدوار الوطنية لجهاز الأمن في تلك الحقبة.. فإلى مضابط الحوار.

} ما هي الحوادث الأخرى التي تعاملتم معها في جهاز أمن مايو؟
– في العام 1983م اتصلت اللجان الثورية في إثيوبيا بالمرحوم “جعفر أبو زيد”، وكان موجوداً في أثيوبيا، وعرضوا عليه أن يعمل معهم، وأن يشترك معهم في عملية تؤدي إلى قصف وسط الخرطوم وتحديداً منطقة النادي الأمريكي ومبنى جهاز أمن الدولة ومنزل الرئيس “نميري”، واتصل المرحوم “جعفر” بالسفارة السودانية وقابل وقتها العقيد “الفاتح عروة” والرائد “عثمان نوري” وعرض عليهما المسألة، فطلبا منه أن يوافق على العمل مع اللجان الثورية، وبالفعل تم شحن المتفجرات بوزن (40) كيلو، وتم شحنها في أجهزة الميكروفونات داخل الصناديق وتحركت من أديس أبابا إلى نيروبي عبر الطائرة الكينية حتى لا تكشف، ولكن تم ضبطها في مطار الخرطوم وتم القبض على الرجل نفسه، وهو “جعفر”، حتى لا يكشف التعاون معه، وكانت هذه المتفجرات من حيث الضخامة والحساسية كافية لنسف وسط الخرطوم والقيادة العامة بكاملها، وطبعاً تم عرضها على خبراء المتفجرات حتى الأجانب، وفي تلك الفترة كانت العمليات الخارجية كثيرة.
} وهل هناك عمليات أخرى لتجنيد السودانيين من المخابرات الأجنبية؟
– نعم هناك عملية كانت خطيرة جداً، ولكن جهاز الأمن أفلح في السيطرة عليها، وجرت اتصالات مع أحد السودانيين في بيروت، وكان ناشطاً سياسياً واتصل به ضابط مخابرات ليبي اسمه “صالح الدروبي”، والسوداني أخطر “الدروبي” أن لديه حزباً سياسياً بوسعه أن يعمل على إسقاط نظام الحكم في السودان، واتصل المواطن بجهاز أمن الدولة وقتها وعرض الأمر، ووصل ذلك المواطن إلى الخرطوم واتصل بي وباللواء “كمال حسن أحمد” بحكم المعرفة الشخصية، وتم ترتيب لقاء له مع اللواء “عمر محمد الطيب” رئيس الجهاز، وتم الاتفاق وتزويد الشخص المعني بمعلومات مضللة، وأصبحت ترسل بالتلكس يومياً للمخابرات الليبية، وبدأ الحزب يقول إنه وزع منشورات، وتم صنع تفجيرين وهميين تحت إشراف جهاز الأمن في عربات قديمة بالاتفاق مع سلاح الأسلحة، ونشرت الجرائد تلك الحادثة وأشارت لها، وبعدها طلب الليبيون من الحزب تعيين قائد عسكري للعملية، وتم تعيين العميد “خضر الحسن” وعقيد من الاستخبارات العسكرية، وسافرا بالفعل مع رئيس الحزب إلى ليبيا واجتمعوا بمدير المخابرات الليبية “عبد الله السنوسي” وبـ”القذافي”، وتطورت العملية بعد ذلك ووضعت خطة لمهاجمة الخرطوم بثمانية طائرات هيلكوبتر روسية (24 ميل) وتوسعت العملية، بحيث أن تشترك فيها عناصر خارجية من المصريين والأمريكان، وسافر وفد من الخرطوم بقيادة الفريق “محمد ميرغني” قائد سلاح الطيران واللواء “السر محمد أحمد” مدير الاستخبارات العسكرية وشخصي و”الفاتح عروة”، واجتمعنا في مصر مع اللواء “شرابي” مدير المخابرات في مصر، وتم الترتيب للعملية، وفي ذات الوقت قامت السلطات الأمريكية بتجهيز خمس عشرة طائرة من طراز (F15) و(F16)، ووصلت تلك الطائرات بالفعل إلى أسوان، وكانت مهمة الطائرات أن تقصف الطائرات الليبية عندما تدخل الأراضي السودانية، ولكن قبل اللحظة الحاسمة تراجعت الجهات المسؤولة في السودان بعد أن تم الترتيب للعملية كلها، ولم تتم، وإن كان ذلك التضليل للمخابرات الليبية ظل يعمل حتى نهاية عهد (مايو).
} خلال فترة عملك في السفارة الأثيوبية هل اتضح لكم وجود نشاط للمخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية في مواجهة السودان في ذلك الوقت.. وما طبيعته؟
– قطعاً، وبطبيعة الحال كان لدينا مكتب أمن ومخابرات كبير فيه ثلاثة ضباط وعناصر أخرى، والتعاون كان مع النظام الأثيوبي الصديق.
} دعنا نتحدث عن التعامل مع النشاط في الشكل خارج الأطر الرسمية في أثيوبيا في تلك الفترة؟
– أثيوبيا مركز كبير لعدد من أجهزة المخابرات الغربية والأفريقية وغيرها، ولديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتوجد سفارة إسرائيلية في أثيوبيا، وفي حفلات الاستقبال، وما أكثرها، لاحظنا مشاركة الإسرائيليين بشكل كبير، لذلك درجنا على تنوير أفراد السفارة للتنبه وعدم الثرثرة في تلك الاحتفالات، وتلك تمثل موسماً لضباط المخابرات لأخذ المعلومات، مع العلم أن الخمور بأشكالها المختلفة تكون متوفرة في تلك الحفلات، وبعض ضباط المخابرات والدبلوماسيين في العالم يشربون من تلك الخمور كالدواب وبعدها يفقد الشخص السيطرة على نفسه وتفلت منه المعلومات.. وحرصنا على أن يوصل العاملون في السفارة المعلومات التي تتم خلال الاتصالات بينهم والدبلوماسيين الآخرين، لأن تراكم المعلومات يعني الكثير في عمل المخابرات.
} خلال عملك سفيراً في إثيوبيا ألم تحدث أي احتكاكات أو لقاءات في حفلات الاستقبال تلك.. أو أية مراسلات ولو عبر وسطاء بينكم وبينهم؟
– طبعا السفير الإسرائيلي يحرص وبطبيعة الحال على حضور المناسبات التي تخص بعض الدول التي لديها علاقات وطيدة مع دولته، مثلاً احتفال الرابع من يوليو وهو اليوم الوطني لأمريكا، وميلاد ملكة بريطانيا، والعيد الوطني الفرنسي، ولكن دائماً يختفي السفير الإسرائيلي في تلك المناسبات بسرعة لأنه معروف، ويستمر الدبلوماسيون الآخرون في الحفل لأنهم غير معروفين، والسفير الإسرائيلي يعرفه الناس من خلال صوره في الصحف أو من خلال أوراق اعتماده التي قدمها وكذا.
} ألم تحدث أي تقاطعات طوال فترة عملك بينك وبين السفير الإسرائيلي؟
– نعم في واحد من اللقاءات أنا كنت عميد السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي، ونظمت سفارة رواندا حفلاً يتعلق بمأساة الـ(توتسي) ووجهت لنا دعوة كسفراء، وفوجئنا عندما حضرنا أن البرنامج مضمن فيه أن السفير الإسرائيلي يتلو قصيدة، وكان لذلك أكثر من دلالة، واتفقنا كسفراء للدول العربية والإسلامية أن نستمر في الحفل واقترحت عليهم أن نخرج وننسحب بمجرد تقديم السفير الإسرائيلي، واتفقنا على ذلك ونفذناه ومعنا إندونيسيا، وبعد أن انتهى من قصيدته عدنا ووجدنا السفير الإسرائيلي نازلاً من على المسرح ونظر لي وقال كلاما ولم أرد عليه، وكانت هذه هي المواجهة الوحيدة التي تمت بيننا.
} وماذا قال لك؟
– كلام.. ولم أفهم معناه، ولكنه يعرف عني الكثير، ودهشت لحادثة وقعت عند وفاة ابني الوحيد – عليه رحمة الله – في العام 2003م.. إذ في ذات اليوم صادف سفر صديقنا “سيوم مسفن” وزير الخارجية الأثيوبي إلى ألمانيا عبر تل أبيب، وكان أن التقى مع السفير الإسرائيلي لدى أثيوبيا في مطار تل أبيب.. وذكر لي “سيوم مسفن” في ما بعد كل التفاصيل، وقال إن السفير الإسرائيلي قابله وقال له إن صديقك سفير السودان فقد ابنه الوحيد!! و”سيوم مسفن” غالطه في أن لديّ أكثر من ولد، ودخلا في مغالطة، وكان رأي السفير الإسرائيلي صحيحاً في أن لدي ولداً وحيداً وهو “سيد” المرحوم والبقية بنات.. والشاهد أن “سيوم” قال لي إن الإسرائيليين يعرفون عنا أدق التفاصيل، وقد لا يعلمها المقربون منا!!
} في (عهد مايو) كان هناك تعاون بينكم وبين المخابرات الأمريكية.. هل اقتصر نشاط المخابرات الأمريكية في تلك الفترة على التعاون الرسمي أم امتد إلى أوجه أخرى.. وهل كانت مرصودة لديكم؟
– في (عهد مايو) في عام 70 كنا في جهاز أمن مايو، وكان توجهها أحمر، وذهبنا إلى موسكو في دورة تدريبية، وكان الوزراء هم ناس “فاروق أبو عيسى” وغيرهم.. والتدريب قضيناه في موسكو.. سافروا في دفعات، ومايو بعد انقلاب “هاشم العطا” حولت توجهاتها وفتحت مسألة التدريب في جهات كثيرة، وذهبت أنا في العام 1972م لأعمل قنصلاً عاماً في سفارة السودان في بيروت، ومن بيروت في العام 1975م ذهبت إلى لندن في دورة تدريبية.
} وما هو النشاط الذي كانت تديره المخابرات الأمريكية في تلك الفترة في ملفات السودان؟
– تحولت العلاقة، وأصبحت هناك معلومات وتعاون، وفي فترة كان التعاون محدوداً في حدود مدير جهاز الأمن القومي المرحوم “علي عبد الرحمن النميري”، وفي الداخلية كان تعاملهم مع الفريق “عبد الوهاب إبراهيم”، ولكن بعدها نزل الأمر وتولاها في تجربتنا مدير الأمن الخارجي بصفة تكاد أن تكون يومية في الزيارات والمقابلات، وكان هناك عدد كبير جداً من الأشياء المشتركة مثل تقلب الوضع في تشاد في ذلك الوقت، والتدخلات الليبية وقتها في تشاد، والأمريكان كانوا منزعجين جداً من تحركات “القذافي”، وتجمعت مصالح الأمريكان والمصريين والمغاربة وغيرهم.
} هناك ضباط يتم ابتعاثهم لتلقي دورات تدريبية لدى أجهزة مخابرات عالمية مثل المخابرات الأمريكية.. ألا يوجد مخاوف داخل الأجهزة الوطنية من إمكانية توظيفهم لصالح الجهة التي ستدربهم خاصة وأن المبتعثين دائماً من صغار الضباط؟
– كنا في هذه الحالة نضمن أن الضباط لا بد أن يكونوا على مستوى معين من الانضباط، وأن يكون المشرف عليهم شخصاً واعياً ومنضبطاً، وأن تكون تحركاتهم مع بعض وسكنهم كذلك، حتى لا يكون هناك أي مجال لمثل هذه الأشياء، والشيء الآخر حرصنا على أن تكون الدورات هنا وأن يأتي الألمان أو الأمريكان هنا لتقليل أخطار العمليات، وعلى أي حال حتى في دول لصيقة وقريبة مثل مصر التي يذهب إليها الضباط للتدريب، ولكن دائماً نطلب من الضباط أن يبلغوا بأية حالة اتصال تتم بهم.
} وهل حصلت بلاغات من الضباط في ذلك الوقت؟
– لا أذكر ذلك، ولكن هناك تجربة حدثت مع ملحق عسكري في لندن وسبق أن اتصل به ضابط مخابرات أجنبي، وبدأت بينهما صلة وتبادل للزيارات وأصبحت هناك هدايا، وهو عندما بلّغ وشك في المسألة كانت العلاقة قد تشعبت وأخذت طابع حميمية واندفاع أكثر من اللازم، ووصلت العلاقة إلى بيوتهما، وكان ذلك في أواخر الثمانينيات وتم نقل الضابط.
} ما جنسية الضابط الذي اتصل مع ضابط المخابرات السوداني؟
– هو من الدول الشرقية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية