"أفورقي" براً و"سلفا" نهراً!!
} ليس غريباً ولا مدهشاً قدوم الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” عبر البر ممتطياً ظهر سيارات اللاندكروزر قاهرة الرمال وصاعدة الجبال وحاصدة الأرواح في ساحات الوغى والقتال، و”أفورقي” رئيس ثوري لم تبدله السلطة وبهرجها.. يحكم دولته بطريقة جعلته أقرب لقلوب شعبه من غيره.. ثورياً على منهج “تشي جيفارا”، متقشفاً في مظهره، بسيطاً في مسكنه مثل “أحمد سيكتوري”.. اشتراكياً على منهج “باتريس لومبا”، وواقعياً في تعاطيه مع قضايا بلاده، مما جعله يقع تحت طائلة رؤساء مغضوب عليهم عالمياً.. ولـ”أفورقي” موضع في قلوب السودانيين، ولإريتريا امتدادات ثقافية وإثنية واجتماعية في الشرق.. وللسودان امتدادات في قلب إريتريا وحتى أطرافها.
} أن تصبح أطراف السودان مشدودة للجيران، وتتماهى الثقافات، وتتلاقح المصالح، وتتشابك المشروعات لهي خصائص ينبغي التعاطي معها بواقعية ورشد، دون المساس بالسيادة والخصوصية، ورئيس دولة جارة من الغرب مثل تشاد يتصاهر مع أكبر الأسر السودانية، ويعقد مؤتمراً لزعماء قبيلته من السودانيين، ليتحدث إليهم عن مصالحهم التي ينبغي أن ترعى وتطلعاتهم كقبيلة في السلام والرفاهية، ودوره هو كقائد سياسي في دولته، ولكنه مرتبط بثقافة وسلطة قبيلته في السودان!
} قدرنا، ومن حسن حظوظنا أو سوئها، أننا دولة أطرافنا على وثاق عميق بدول الجوار من حولنا.. مثل غيرنا من الشعوب والأمم، فالباكستانيون والهنود والبنغاليون شعب واحد بعقائد متعددة، والسويسريون نصفهم ألمان والنصف الآخر فرنسيون، والزامبيون والزمبابويون شعب واحد قسمه المستعمر لروديسا الجنوبية والشمالية.. والهاشميون في الجزيرة العربية يملكون الأردن والسعودية، والسودانيون في حلفا القديمة ارتباطهم الوثيق بمصر أكثر من وطنهم السودان.. والرزيقات والمسيرية وخزام وأولاد حميد، عطفاً على الزغاوة والمراريت والقرعان، نصفهم في السودان والنصف الآخر في تشاد، فلا عجب إن دخل وزير خارجية تشاد السابق “محمد صالح النضيف” بيوتاً في الخرطوم لأبناء عمومته وأقام فيها بدلاً عن الفنادق الرئاسية.. أما حالنا مع جنوب السودان.. تلك قصة أخرى.. نصف دينكا نقوك الآن شماليون والنصف الآخر جنوبيون، وفي الحرب الدائرة حالياً لجأ الفارون من القتال في جبال النوبة لدولة الجنوب بحثاً عن الأمن والطمأنينة، لتكتب هذه الحرب بكل سلبياتها أواصر جديدة بين النوبة في كردفان والنوير في ولاية الوحدة ودينكا في بحر الغزال، ونصف رعاة الرفاعيين اختاروا مصالحهم مع الجنوب كوطن بديل للبطانة التي جفت، وما عادت تلبي حاجيات رعاة الإبل.
} وأهدر المسيرية لقصر نظر “سياسي” فرصة تاريخية، حينما عرض عليهم الرئيس “سلفاكير” الجنسية الجنوبية جنباً إلى جنب مع الجنسية الشمالية، وتعهد بإشراكهم في حكومة بلاده بالأصالة كمواطنين، ولكن قادتهم رفضوا في عنت غير مبرر، رغم أن مصالح ووشائج ما يعرف بحزام التمازج في السودان مع الجنوب أعمق وأكبر من وشائجه ومصالحه مع الشمال الأقصى، بل حتى الوسط.. وغداً (سيركب) الرئيس “سلفاكير” باخرة الرنك حتى كوستي لزيارة الشمال الذي يتوق عقلاؤه كما يتوق عقلاء الجنوب لكونفدرالية خاصة في مقبل السنوات بديلاً عن البروتوكولات الباردة التي وُقعت ولم تُنفذ.
} أن يقيم “أفورقي” في منتجع أركويت، ويستقبل في سواكن شعبياً ورسمياً ويرقص مع المغني البجاوي “إدريس” بلهجة لا يعرفها الرئيس “البشير” وربما تولى الرئيس “أفورقي” ترجمة كلمات أغنيات لمطربين سودانيين من شرق السودان لرئيسهم “البشير”.. لهي دلالة عميقة لتلاقح ثقافات وتمازج شعوب أجبرت أوربياً على التمزق لدول.. لأغراض تسهيل إدارتها.. ولم يستوعب قادتها مصادر قوتهم ومصالحهم الحقيقية فلجأوا لافتعال قضايا حدودية للسيادة على أراضٍ صالحة للتعمير المشترك بين الدول.