بين قوسين..!
(……..) كم هي ضيقة هذه الأقواس.. فهل تكفي لشرح كل الكلام الذي قبلها والذي بعدها؟!.. (……..).. افتح قوس.. اغلق قوس.. فالأقواس هي الشماعة التي نبرر بها كل شيء.. نتأسف على عبارة ما قلناها.. أو نستدرك شخوصاً غفلناهم.. أو نصف ونشرح ونبرر حجة سقناها.. وما بين الأقواس يجوز ما هو خارج عنها.. بوسعنا أن نستخدم لفظة دارجة في قطعة أدبية فصيحة.. فطالما هذه الدارجة بين قوسين فذلك جائز..!
وحين نريد أن نعطي الضوء الأخضر لاستخدامات لا تجيزها اللغة الفصحى ولا الأعراب ولا النحو، فبالإمكان الاستعانة بقوسين.. قوسين ليس إلا وكل شيء يصبح ممكناً ومريحاً..!
الأقواس مشدودة دائماً للقيام بالمهام الصعبة.. ومؤهلة لاحتواء شرودنا وسهونا.. وربما أخطاؤنا وحماقاتنا.. كأنها اللا شيء واللا معنى الذي يحمل في طياته كل شيء وكل معنى..!
كم نشفق أحياناً على أنفسنا من تلك الأقواس.. فثمة إيحاء مدهش ومقاربة من نوع عجيب.. تجعلها كالسجن مثلاً أو الزنزانة الصغيرة.. القوس الأول هو الباب الحديدي.. والقوس الثاني هو الجدران الأربعة المسقوفة بإحكام شديد.. ورغم هذا الضيق فسجن الأقواس هذا ظل يرسل الإشارات الأكثر عمقاً والمعاني الخبيئة والدفينة، وتلك التي يعجز اللسان والقلم عن البوح بها.. فهي غامضة ومبهمة.. وإزاحة الأقواس عنها تزيد من غموضها وإبهامها.. بل وتجعلها شيئاً باهتاً لا موقع له في جملة كلامنا ولا كتاباتنا..!
افتح قوس.. اغلق قوس.. هل هذا الأمر متعب إلى هذا الحد؟ وهل هي كثيرة الجمل الاعتراضية وعلى النحو الذي يجعلنا نفتح الاقواس ونغلقها؟! إنها الحيرة التي لازمت حياتنا وظلت تطوق أفكارنا.. والأقواس وحدها هي منقذنا وخلاصنا رغم الضيق والاحتواء الذي يضغط على عقولنا وذواتنا.. إنها ثمن حريتنا.. إنها الحرية بين قوسين..!