حوارات

القيادي الإسلامي والخبير في قضايا القرن الأفريقي البروفيسيور "حسن مكي" (2-2)

رغم التماسك الكبير الذي كان يبدو على الحركة الإسلامية منذ تسلّمها للسلطة بحكم التوافقات الجوهرية التي كانت تربط عضويتها، إلا أن هناك جملة من التباينات المبدئية بدأت تظهر في هذا الجسم، قادت من قبل إلى ظهور مجموعة (سائحون) والإصلاحيين بقيادة “غازي صلاح الدين”، وهناك مجموعات جديدة في الساحة، حسب بروف “حسن مكي” في طريقها للتكوين بعد أن تجاوزت مرحلة التبلور. واللافت هذه المرة أن المختلفين رأوا الاستنصار بالعامة بعد أن فشلوا في إقناع إخوانهم بعدالة طرحهم.. على المستوى الآخر، تلاحظ مؤخراً تعدد منابر الإسلاميين واختلاف رؤاهم .. (المجهر) حاولت تقديم رؤية علمية لما يدور داخل هذه المنابر وعلاقتها بما يحدث من تفاعلات في الساحة السياسية، فالتقت البروفيسور “حسن مكي” في حوار تناول أسباب الظاهرة وأبعادها المستقبلية.. فإلى التفاصيل وعلاقة ذلك بالحراك السياسي.

} هناك كثير من الجدل يدور حول مسألة البيعة والآن جدد هذا الجدل بعد خروج المجموعة الإصلاحية من المؤتمر الوطني ؟
-مسألة البيعة فيها إشكال كبير، من يبايع من، حتى أنا لا أفهمها، فسابقاً عندما بدأوا يعلنون عن مجلس شورى المؤتمر الوطني كان الناس يذهبون لمبايعة الاثنين “البشير” و”الترابي”، وسمعت أن “البشير” مبايع “الترابي”.
} هل تعرف شيئاً عن هذا الموضوع ؟
-هذه المسألة لا أعرف عنها شيئاً لكن كان هناك بيعة عامة يقف فيها الأمين العام الأسبق دكتور “الترابي” والرئيس “البشير” ويبايعهم رئيس مجلس شورى المؤتمر الوطني، لكن أنا كنت أظل جالساً لا أبايع والحمد الله، ولم أدخل في هذا الأمر.
} لماذا ؟
-لأنني كنت أعتقد أن الحكاية جد (ما لعب).
من بايع إماماً وأعطاه ثمرة فؤاده وقلبه، فما له أن يخذله أو ينكث عن مطلوبات البيعة، ولكن الآن إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
} هذا الوصف هل يمكن فهمه في سياق معمم ؟
لا، أعتقد أن هناك قيادات جيدة تفهم هذه الأشياء وضميرها يحاسبها، لكن كثير من الناس يذهبون في السياق العام (وفي المظاهرة) ولا يحسون بأن هذه بيعة تعني شيئاً بالنسبة لهم، وإلا فالذين بايعوا “الترابي” أين هم الآن؟ والذين بايعوا “البشير” ليقبضوا المناصب أين هم الآن؟ والذين بايعوا الدستور ويرون الآن خرق الدستور والألاعيب، فالسمع والطاعة في المنشط والمكره في الأمر بالمعروف، والآن الأمر بالمعروف انعدم وأصبح الناس يقرأون عيون القادة لينفذوا ما يريدون (ليبسطوهم، هذه جوقة تعمل حسب مطلوبات القائد).
} ألا يوجد اجتهاد فقهي لحالة من خرجوا من المؤتمر الوطني بالنسبة لمسألة البيعة أو الذين بقوا وأصبحوا يشكون في صحتها؟
-(بس) تعلنها، وتقول له أنا ليس مبايعك (ما تغشو) وتقول أنا مبايعك وتتآمر عليه.
} الخروج من الحزب ألا يحسب في خانة الإعلان مثلما فعل الإصلاحيون؟
-نعم، هو إعلان.
} كيف تنظر لخروج الإصلاحيين في الحركة الإسلامية وتأثيراتها على الطرفين؟
-هي ظاهرة ستكون صحية إذا التزموا بأدب الحوار ومدافعة الخصومة السياسية، واستطاعوا تقديم نموذج ، الحكومة الآن لا تقدم نموذجاً، فلا بأس من أن تكون هناك تعددية سياسية إسلامية، رغم وجود المؤتمر الشعبي إلاّ أن مشكلة حزب المؤتمر الشعبي الكبيرة، أن “الترابي” هو الذي صنع كل شيء، وله الفضل في تأسيس الحركة الإسلامية بنسبة (70%) وهو شخص صبور يعمل من خلال المؤسسات، ويعرف ماذا يعني الخروج على المؤسسية، وهو من أعلم علماء العالم الإسلامي، لكن حينما أصبح المشروع ليس مشروع الحركة الإسلامية، وإنما مشروع “الترابي” تركه الناس.
} قيل هناك أسباب لها علاقة بارتباط الناس بالسلطة والثروة؟
-الآن أحد الأسباب التي دعت الناس إلى عدم الانحياز للترابي هو أن كثيرين منهم انحازوا إلى الدولة الغنية، وذهبوا مع الغنائم كما في ” أحد” لكن أعداداً كبيرة لم تمض مع “الترابي” لأنها جربته “والمجرب لا يُجرب” والآن مجموعة “الترابي” ومجموعة الحكومة والمجموعة الجديدة بقيادة “غازي” عليها أيضاً أن تؤسس لأرضية جديدة لأنها محملة بأثقال وأوزار 23 عاماً من التجربة السابقة.
} وهناك بالطبع مجموعات أخرى لها رأي كذلك؟
-طبعاً هناك مجموعة رابعة تدق الآن في الجرس، وهي مجموعة منبر الحوار التي تضم “الطيب زين العابدين” و”الأفندي” و”التجاني عبد القادر” و”خالد التجاني” و”محمد محجوب هارون” هؤلاء يشكلون نواة هذه المجموعة، وهناك مجموعة خامسة هي مجموعة منبر السلام العادل، لكنها أقل بأساً بعد إبعاد “الطيب مصطفى” من (الانتباهة). فلندع كل هذه المجموعات تعمل وتتحاور. هناك مجموعات إسلامية أخرى مثل مجموعة الإخوان المسلمين ومجموعة السلفيين.
} ألا ترى أن مجموعة “غازي صلاح الدين” ربما تكون أقرب إلى المؤتمر الشعبي؟
-أنا ليس لديَّ معلومة عن هذا الموضوع.
} هناك من يتحدث عن أنك قريب من الإصلاحيين؟
-قريب بمعنى ماذا؟
} بكل المعاني؟
-إذا كان قريباً بمعنى التواصل، فأنا متواصل مع الجميع سواء كانت المجموعة الإصلاحية أو “السائحون” أو مجموعة المؤتمر الشعبي، كما لي في الحكومة أصدقاء كثر. أما إذا كنت تقصدين بمعنى الانتماء والالتزام فهذا شيء مختلف.
} ماذا تقصد بمفردة ” التواصل” ؟
-أقصد بأننا نتواصل لمعرفة الأخبار نتبادل الكتب. هو تواصل اجتماعي ثقافي، الحياة ليست سياسة فقط.
} ذكرت الصحف أنك هوجمت من شباب المؤتمر الشعبي، ما أسباب هذا الهجوم؟
-أنا لا أقرأ الصحف، لكن لم يهاجموني دعوني إلى منتدى وكانت حلقة النقاش ممتازة، وتحدثنا عن السرية، وذكرت لهم أنني كنت عضو مجلس شورى عشرات السنين، ولم أكن أعلم ميزانية الحركة الإسلامية. وإذا كتبت الصحف كذلك فهذا صحيح، ولكن من حقي أن انتقدهم، ومن حقهم أن ينتقدوني، فالشخصية العامة يجب أن توضع تحت المجهر، وتشرح لأن الناس يقتدون بها ولا أعتقد أن هذا الموضوع فيه حساسية .
} هل قابلت الترابي قريباً؟
-أنا أعتبر “الترابي” شخصية استثنائية عالمية، له ما له، وأنا أحترمه وأعتبر نفسي استفيد منه كثيراً، وتعلمت على يده ، لكن الآن يجمعني به المشهد العام ، إذا كتبت كتاباً أو مجلة أذهب إليه في منزلة وأعطيها إياه ، لكن لست جزءاً من دوائره السياسية، لكن التواصل الاجتماعي والثقافي والفكري والروحي بالنسبة لي ليس فيه مشكلة.
} وماذا عن علاقتك بالرئيس؟
-ليس لديَّ علاقة مع الرئيس، لكن أعتقد أنه يحترمني، وأنا أحترمه على المستوى الخاص، حينما نتقابل في التعازي، وغير ذلك لكن لست من خاصته.
} هل قدمت إليكم دعوة لحضور مؤتمر شورى حزب المؤتمر الوطني الأخير كمراقب؟
-لا .. لكن في المؤتمر العام الثامن اتصل بي النائب الأول “علي عثمان” هاتفياً وقدم لي دعوة للحضور. والتزاماً مني حضرت جزءاً من ورقته. وحقيقة “علي عثمان” كان حريصاً أن أكون بجانبه في مجالس الحركة الإسلامية. وكنت أذهب كضيف وأقول هذا حينما أتحدث.
} كيف ترى مستقبل الحركة الإسلامية في السودان ؟
-لا أرى أي مستقبل في العالم الإسلامي كله إلاّ للإسلاميين، لأن القومية العربية سقطت والقوميات الصغيرة سقطت. وفي السودان إذا نظرتي تجدي في الخرطوم قرابة الـ1000 مسجد جديد. الإنسان مهما قيل عن تراجعات لا ينال الثقة إلا عن طريق الغاية الدينية خاصة بعد انفصال الجنوب، لا يتم إصلاح إلا عن طريق الغاية الدينية، صحيح أنها محتاجة إلى مراجعات، والناس مصدومين فيها خاصة في الجانب الاقتصادي، ومشكلة الذين يرفعون الراية الدينية لديهم قصور في فهم الحداثة والنظريات الاقتصادية، وخطاب الذين يرفعون الراية الدينية ومن يشكلها؟ هم أئمة المساجد الذين في معظمهم خريجو فقه العبادات وقليل من فقه المعاملات. وكثير من المساجد يطغى عليها السلفيون بما في ذلك من تشدد وغلو. استنساخاً للماضي الذي يشوه المستقبل بأشياء مجزأة ومنتقاة من الماضي. لذلك الراية الدينية محتاجة إلى تجديد وخطاب جديد ولا يمكن أن يشكل بخطابات التعبئة والحشد وشعارات الإسلام دين ودولة ولا خطابات أئمة المساجد, فالقنبلة الذرية والتقنية والثقافية لا يمكن أن ينتجها أئمة المساجد فهي لا تحتاج إلى لسان فقط، وإنما إلى عقل أيضاً .
} أحد أحفاد الإسلاميين تحدث عن أنهم أصبحوا سلفيين بعد ما رأوه من الحركة الإسلامية ؟
-السلفيون لديهم مقبولية، من بعض الشابات الراغبات في الحجاب وبعض الشباب الذين يعجبهم التدين الخالي من الشرك والبدع، كثير من هؤلاء نتيجة تلقيهم تعليمهم الأولى والثانوي في دول الخليج تأثروا بالمذهب الحنبلي والوهابي.
وأهل السودان مالكية لكن لا يعرفون ذلك جيداً . هنالك فوضى لأن كل من يمتلك لحية يعتقد أنه يفتي في الدين. بعضهم لديه شهادة ثانوية، وهي لا تؤهل للفتوى، ولا حتى للتفسير، لأن التفسير مدارس تحتاج الى تخصص ودراسات متعمقة.
} قيل بعض السودانين تأثروا بتجربة إيران الشيعية؟
-أعتقد أن تجربة السودان مع إيران لم تكن سيئة. أنا حينما أنظر أجد أن تركيا قدمت للسودان أكثر مما قدمته إيران قبل الثورة، وما زالت تطالبه بالديون منذ عهد الشاه، نحن نطالب بعلاقات وتعاون لكن بصورة متوازنة مع إيران.
} كيف نظرت للحديث عن التغييرات السياسة والتنفيذية المرتقبة ؟
لا أعتقد سيكون هناك جديد، المطلوب تغييرات هيكلية، وهي لا تتم إلا بشرطين الأول أن يعلن الرئيس “البشير” عدم ترشحه مرة أخرى التزاماً بالدستورية، ولأن ما لم يقدمه في لـ(24) عاماً لن يستطيع تقديمه مستقبلاً. الأمر الثاني أن يفوض سلطاته إلى شخصية قومية تدير المرحلة الانتقالية وتكون حكومة انتقالية.
} ما هي قراءتك لإشراك قوى أخرى في التشكيلة الحكومية القادمة ؟
-القوى الأخرى نفسها قوى مستهلكة ومستنفذة للطاقة، والناس لا يستطيعون قراءة المشهد السياسي لأن الوظائف السياسية تحجب أعينهم عن مطلوبات إعادة الهيكلة .
} اتفاقية مياه النيل في الاجتماع الأخير في الخرطوم فشل وزراء الخارجية مصر، إثيوبيا والسودان في التوصل إلى اتفاق ؟
-سد الألفية واقع، والمطلوب فقط الدخول في إدارة مياه السد، كيف تكون وتأمين سلامة السد، وإذا أمكن تخفيض كمية المياه المخزنة.
} بالنسبة لمصر هل سيصحح التغيير السياسي المعادلة السابقة مع إثيوبيا ؟
-لا نستطيع الحديث عن العلاقات مع مصر، لأنها في حالة توتر سياسي أظنها ستستمر لثلاث أعوام قادمة.
} تتحدث أحد المواقع الإسفيرية عن أنك في أوائل التسعينيات أصدرت فتوى تحرم الغناء ما صحة ذلك ؟
-أبداً هذا غير صحيح، ليس لديَّ رأي ضد الغناء، وبل أحيانا أغني لنفسي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية