أخبار

عسكرة الولايات (2)

} مثلما أخفق ولاة مدنيون في إدارة شؤون بعض الولايات، أخفق ولاة عسكريون وآخرهم اللواء “جار النبي” في نيالا، بيد أن والياً بعباءة مدنية ومرجعية عسكرية مثل الفريق “الهادي عبد الله” في نهر النيل حقق قدراً من النجاح ووضع نهر النيل الآن في قائمة الولايات الأكثر نمواً واستقراراً، بعد أن كانت أفقر الولايات في البلاد.
} وحينما وجدت السلطة المركزية نفسها في مأزق أمني وسياسي بالنيل الأزرق لجأت للمؤسسة العسكرية، فبعثت باللواء “الهادي بشرى” من مرقده في كرسي المعاش، ليخوض غمار معركة سياسية وعسكرية، حتى عاد للنيل الأزرق شيء من الاستقرار النسبي، وسيطرت القوات المسلحة على الأوضاع الأمنية، وتم دحر التمرد جنوباً لجيوب قصية، ولما عاد الاستقرار أسندت إدارة الولاية لشخصية مدنية “حسين أبو سروال”، فهل إذا شهدت الولاية تدهوراً في أوضاعها الأمنية، ستعود السلطة مجدداً لأصحاب القبعات الرمادية؟! تدهور الأوضاع الأمنية في وجود تمرد ينتهج حرب العصابات يظل أمراً وارد ومتوقعاً.
} ولما كانت الأوضاع في جنوب كردفان أسوأ من النيل الأزرق، والحرب هناك أكثر شراسة، فإن وجود والٍ مدني بقدرات عسكرية مثل “أحمد هارون” قد جنب الأوضاع الانهيار، ومع بزوغ شمس أيام الحسم العسكري عبر عمليات الصيف الساخن، كان المراقبون يتوقعون إسناد إدارة الولاية لشخصية عسكرية، إلا أن المركز فاجأهم باختيار مهندس مدني نفض يده تماماً عن العمليات العسكرية، ولم يُبدِ حتى حماساً في رفع الروح المعنوية للمقاتلين وإسنادهم، وتثاقلت خطاه في تخفيف ومؤاساة المواطنين من ضحايا التمرد. فهل تقديرات المركز تهدف لفصل السياسة عن العمل العسكري تماماً ووضع حواجز حتى يؤدي كل طرف واجبه بمعزل عن الآخر؟
} ليس بالضرورة أن تقف مع تجربة الولاة العسكريين والمتمردين العسكريين أو ضدها.. لكن إصلاح الحكم وتوطين السلام وحماية المجتمع من شرور الفتن القبلية والصراعات المجتمعية يقتضي مراجعة التجربتين المدنية والعسكرية، والسلبيات والإيجابيات.. فإذا كانت تجارب الحكم المدني قد أشعلت نيران الفتن في بعض الولايات، وتورطت بعض القيادات حتى من الحزب الحاكم في الصراعات القبلية، فإن للتجارب العسكرية سلبيات أيضاً، وخاصة حينما ترتبط بقوانين الطوارئ وتعليق الحقوق المدنية وبسط العسكر لسلطتهم المطلقة.
} وبعض الولايات أزماتها سياسية في الأساس كجبال النوبة والنيل الأزرق، وبالتالي مهما اتخذت من التدابير العسكرية، فإن أصل القضية سيظل ينتظر الحل السياسي. وإذا كانت عسكرة الحكم في الولايات المأزومة أمنياً يصبح أمراً مطلوباً لمقتضيات الواقع، فإن أصحاب العمائم البيضاء من السياسيين قد لازم بعضهم الفشل الذريع، وأصبحوا مُبغضين من الجماهير، بل إن أحد الولاة الذين قبعوا في الحكم لسنوات طويلة بات يباهي بأنه جاء للحكم بإرادة الحزب لا برغبات المواطنين. ووالٍ حديث عهد اتهم في ذمته المالية بكتابة شعارات على جدران المنازل تشكك في نزاهته وتدمعه بالولوغ في الفساد. ولو استدبرت الخرطوم من أمرها لتبرأت من كثير من الولاة في التغيرات التي أعلن عنها الرئيس في اجتماع الشورى يوم (السبت) الماضي.
} الواقع يفرض مشاركة العسكريين بالمعاش وبالخدمة، في بعض الولايات والمحليات التي تواجه أوضاعاً أمنية شديدة التعقيد مما يستعصي على المدنيين إدارة شؤونها، وحتى في ولاية مثل الخرطوم أصبح المعتمد “عمر نمر” مثالاً للنجاح، وسياسي مثل معتمد كرري “العمدة” مثالاً للفشل، وبالتالي الأمثل والأجدى المزج بين السياسيين والعسكريين في إدارة الشأن الولائي والقومي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية