صوت "البارود" أعلى!
يبدو أن صوت “البارود” في ستوكهولم أعلى من صوت “الأدب”، ولذلك فإن الأكاديمية السويدية ستظل تمنح جوائزها للأمم التي تستخدم البارود فقط، أما الإستثناءات الوحيدة والعابرة التي خرجت فيها هذه الجائزة إلى الأمم التي لا تؤمن بالبارود ولا تحبذ استخدام تقنياته المتقدمة، فيبدو أنه كان “سهواً” وبالأحرى “غلطة” لن تتكرر!
هذا المعنى الساخر حول جائزة “نوبل” سبقني إليه الناقد العربي “محيي الدين اللاذقاني” الذي تخيل يوماً أن “الفريد نوبل” قام بزيارته ليلاً، ليرد على أسئلته حول عدم “عدالة” لجنة تحكيم جائزته و “ميلها” المستمر “للباروديين”، الذين خرجوا من عباءة “الفريد نوبل” نفسه والذي أهدى في يوم من الأيام هذا الاختراع السيء والمدمر للعالم.
كانت إجابة “الفريد نوبل” وبالحرف الواحد أثناء هذه الزيارة الخيالية لـ”محيي الدين اللاذقاني”، من خلال “رسالة” موجهة لكل المثقفين العرب تقول: إن الأمة التي لا تستعمل اختراعي يتندر على أدبائها الحصول على جائزتي، فالبارود كان وسيظل عند أهل ستوكهولم أعلى صوتاً من الأدب.
شكراً لـ”محيي الدين اللاذقاني” الذي نقل عن المتوفى “الفريد نوبل” رسالته هذه، والتي بموجبها نتوقع أن ينفض سامر الواقفين في طابور الجمعية السويدية من الكتاب والأدباء العرب، انتظاراً للحصول على جائزة “نوبل”.
غير أني أضيف لهذه الأجواء الغرائبية التي أعادت من جديد قضية “نوبل” إلى السطح بعداً أكثر غرابة، حينما أعلن بدوري أن “نوبل” الذي زار “اللاذقاني” فيما يشبه الحلم واليقظة، هو نفسه الذي زارني أنا أيضاً منذ يومين فقط، حينما كنت أقرأ رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”. وهي بالطبع ليست القراءة الأولى للرواية، لكنها بالفعل القراءة التي نجحت في أن تقدم لي تفسيراً أكثر منطقية لعدم ذهاب نوبل للآداب أبعد مما ظلت تذهب إليه – عدا “ذلك” الإستثناء الوحيد – حيث أن فك شفرات هذه الرواية يترجم المعنى الحقيقي لنظرة الأدباء العرب للغرب، ويكشف عن مدى نجاحهم في تعرية “الجسد” الغربي و “الروح” الغربي، وهو الأمر الذي فشل فيه الغربيون أنفسهم الذين لهتهم عوالم التفلسف والميتافيزيقيا، عن الغوص في واقعهم وحياتهم المعاشة.
وكل ذلك من شأنه أن يجعل “الغرب” يتردد ويفكر ألف مرة قبل أن يهدي جائزة “نوبل” للأدباء العرب.. ولربما هذا المعنى هو ما أكده لي الراحل “نوبل” نفسه حينما ظهر لي فجأة بين سطور رواية “الطيب صالح” “موسم الهجرة إلى الشمال” وأخرج لي لسانه قائلاً: “قل للطيب صالح وأمثاله من الأدباء العرب، أنني سأحلق ذقني هذه لو حصلتم على جائزتي مرة أخرى”!!
لقد رحل “الطيب صالح” مثلما رحل من قبله “الفريد نوبل ” لكن بقت الجائزة وبقت روايات “الطيب الصالح”، وما بينهما يبقى أن نقول لحين إثبات العكس .. ليس بالضرورة أن تمنح “نوبل” للأحياء فقط.. الموتى الأحياء جديرون بامتياز من الأحياء الموتى بنوبل، التي جاءت لتكفر عن جرائم القتل الجماعي وذنوب الموت المجاني!