خريف الفولة
} غطى غبار قضية “أبيي” وتداعياتها الداخلية والخارجية على حدث مهم جداً ممثلاً في ميلاد ولاية غرب كردفان بعد مخاض عسير وممانعة هنا وعقبات هناك، حتى خرجت للوجود قبل بضعة أشهر بعد غياب قسري منذ 2005م، حينما نحرت الحكومة المركزية الولاية الغنية بالنفط والفقيرة للتنمية قرباناً للسلام.. فاختفت الولاية من خارطة الوجود ولم يتحقق السلام أو تستقر الأوضاع.
} بعودة الولاية أوفى الرئيس “البشير” شخصياً بوعود كثيرة بذلها للمسيرية على وجه الدقة باعتبارهم أصحاب قضايا شائكة، من “أبيي” إلى الحدود مع دولة الجنوب، والبترول وما يشكله من أهمية للحكومة المركزية تقتات من ريعه وتستخدمه (كضامن) لذمتها دولياً وإقليمياً.. بعودة الولاية تنفست المنطقة طبيعياً (وبردت أضان المركز) من كثرة الاحتجاجات وصرخات أهل الحقوق الضائعة.. وضرب المسيرية مثالاً في نكران الذات والحرص على التعايش مع مكونات الولاية الأخرى من حمر ونوبة وداجو ودينكا نقوك.. وجاء اختيار الجنرال “أحمد خميس” والياً ليصب مياه باردة على نار سعت جهات عديدة لإشعالها.. استقبل النوبة في الجبال الغربية تعيين ابنهم “خميس” والياً بالرضا والطمأنينة بأن حقوقهم في الولاية الجديدة (محفوظة)، وبعد مضي أربعة أشهر أثبت الجنرال “أحمد خميس” مقدرة وكفاءة في قيادة الولاية سياسياً وتنفيذياً.. ونالت المحليات الشمالية من قبائل حمر نصيبها في السلطة كاملة التنفيذية والتشريعية، وتحقق توازن موضوعي لمعادلات التمثيل.
} اختار الجنرال “خميس” حكومة المرحلة الانتقالية بدقة مازج بين الخبرات المعرفية بإدارة الحكم كالدكتور “ناصر علي عمر” مثالاً، وما بين التجديد وضخ الدماء الشبابية في شرايين السلطة كالدكتور “محمد الحسن بشير” وزير الشؤون الاجتماعية.. وآخرين من شباب حزب المؤتمر الوطني. وإن ضعف تمثيل الأحزاب الحليفة للوطني إلا أن المنطقة أو الولاية لا وجود فيها لأحزاب مثل الاتحادي الديمقراطي أو أحزاب الأمة وحتى الحركة الشعبية تيار السلام وجودها في الجبال الغربية ضعيف جداً مع التقدير لدور الجنرال “دانيال كودي”.
} حكومة الفولة تركت للحكومة المركزية معالجة قضية “أبيي” وتبعاتها رغم تأثير القضية على الولاية، وانشغال المسيرية بصفة خاصة بها.. إلا أن مركزية القضية أتاحت لولاية غرب كردفان الانكفاء على مشكلات التأسيس والبنيات التحتية وإكمال المشروعات التي توقفت بنقص التمويل وبسبب الانقسام الذي حدث لولاية جنوب كردفان.
} في صمت وبعيد عن الأضواء نجح اللواء “أحمد خميس” والدكتور “ناصر علي عمر” في الحصول على تمويل كبير لمشروعات مياه الفولة وبابنوسة والنهود والمجلد، واستفاد الجنرال “خميس” من إسناد الرئيس “البشير” للولاية لتدور كل ماكينات الإعمار والتنمية في وقت لم تشهد فيه الولاية الأم جنوب كردفان، إلا نذر الحرب القادمة والمواجهات المنتظرة، وأثبت الجنرال “أحمد خميس” أن اختياره كان موفقاً جداً، وهو يخوض غمار معارك سياسية في التشكيل الوزاري حيث المطامع في كراسي محدودة ومنتظرين للتوزير بعدد الحصى.. ولم يشغل الرجل نفسه بتصفية الحسابات مع من كانوا قبله في السلطة، ولم يبدد وقته مع أصحاب الأجندة الخاصة الذين يحيطون بالحكام ركعاً وسجوداً من أجل مغانمهم.
} ولاية البترول والناس والجهاد موعودة بعافية في جسدها، إن كتب الله لها يسراً بعد عسر “أبيي”.