قصة أغنية (يا ضابط السجن)..
} أولاً ليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها عن هذه الأغنية، لكني آمل أن تكون الأخيرة.. ثانياً القصة التي سأذكرها هنا ليست من عندي، بل ذكرها شاهد عيان هو المهندس “محمد عبد الله”، الذي زارني في مكتبي وروى لي ما سأذكره لكم، فإذا كان هناك خطأ أو عدم دقة في الرواية فالذنب ليس ذنبي، ولكني لا أظنها رواية مختلفة كما ستلاحظون.
} قال لي المهندس “محمد عبد الله” إنه حضر ولادة هذه الأغنية بيتاً بيتاً في سجن الأبيض، حيث ولدت هذه الأغنية في ذلك السجن، عندما كان الشاعر معتقلاً من قبل نظام “نميري” لأنه كما قال كان متعاطفاً مع الانقلاب الشيوعي. وقد ثبت الآن أن هذا الاتهام لم يكن صحيحاً، وهذا ما خلق في نفس الشاعر إحساساً بالظلم.. فقد كانت الاعتقالات في تلك الفترة تقوم على الشبهات وعلى المعتقل إثبات براءته ليخرج من السجن.
} فشلت كل محاولات الشاعر لإقناع سجانيه ببراءته وألقي به في زنزانة واحدة مع المهندس “محمد عبد الله” الذي شاءت الصدفة أن يكون هو الشاهد الوحيد على قصة الأغنية.. وفي البداية أقول إن كل ما ذكره الشاعر تعرض له بالفعل، فقد كان نظام “نميري” يصنف المعتقلين، وجاء تصنيف الشاعر مع الذين يشكلون خطراً على النظام المايوي، لذا صدرت تعليمات بعدم السماح له باستقبال الزوار ولو لدقائق.. لم يخف الشاعر سخطه على هذه المعاملة القاسية، وهذا ما دفعه ليسطر أول أبيات الأغنية (صبرك لحظة واحدة يا ضابط السجن).. وكان المهندس يجلس مع الشاعر في زنزانة واحدة كما ذكرنا، لذا كان يطلعه على الأبيات التي نظمها.. قضى الشاعر في الحبس خمسة أشهر وهو محروم من زيارة أهله حسب التعليمات.
} في فترة الحرمان هذه جاءت خطيبته أو زوجته لزيارته، ويبدو أن الضابط المسؤول عطف عليه وسمح له بلقائها لدقائق، ولكنه أنهى اللقاء بعد خمس دقائق.. وهذه المعاناة يلخصها قوله (خمسة شهور طويلة مرت ليلة ليلة) في إشارة إلى فترة الحبس، وسمعت البعض يقول (خمسة سنين طويلة) بدلاً عن خمسة شهور، واستمر الشاعر في كتابة باقي أبيات الأغنية وهو في السجن إلى أن اكتملت، لذلك دهشت عندما قال الفنان الرائع “عبد الرحمن عبد الله” إن بطل الأغنية أحد الإخوة الجنوبيين.. المهم أن الشاعر أطلق سراحه بعد أسابيع أو شهور، ولكن فترة السجن أعطتنا هذه الأغنية الرائعة التي زادها صوت الفنان العذب حلاوة، فأنت حين تسمعها تحس أن الفنان عاش نفس المعاناة ونقلها لنا.
وللفنان أغنية رائعة أخرى هي (جاني بريدو طاير) لكن الإذاعة لا تبثها.
} سؤال غير خبيث
} هل تصدق هذه الرواية لقصة الأغنية؟!