تقارير

(الوطني) والإصلاحيون .. توصية الفصل تهدد (شعرة معاوية)!!

يبدو أن المؤتمر الوطني قرر المضي قدماً في التعامل مع أزمته الداخلية الخاصة بتيار الإصلاحيين ببتر هذه المجموعة الإصلاحية من جسم الحزب، دون الخوض في الدواعي والأسباب التي قادت منسوبيهم إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات أو التفكير حتى في ما يمكن أن تؤدي إليه هذه القرارات السريعة، عكس ما كان يظن الناس وعضوية المؤتمر الوطني نفسه. ووضح ذلك عندما استبعد «أمين حسن عمر» في حوار أجرته معه (المجهر) – يُنشر لاحقاً – صدور مثل هذا القرار، لكن رغم ذلك دفع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بعد اجتماعه أول أمس بتوصية إلى مجلس الشورى لفصل ثلاث أشخاص من الحزب موقعين على المذكرة الإصلاحية، بعد أقل من أسبوع من قرار تجميد عضوية (9) أعضاء من الموقعين على المذكرة الإصلاحية. وتوصية الفصل التي صدرت شملت دكتور «غازي صلاح الدين» و»حسن عثمان رزق» و»فضل الله أحمد عبد الله» الذي سبق أن دخل مع رئيس لجنة المحاسبة «أحمد إبراهيم الطاهر» في حديث حاد، جعل الأخير يعلن قرار تجميده لحظة الاستجواب، وربما على هذه الخلفية جاءت توصية فصله بالأمس. أما «غازي صلاح الدين» و»حسن رزق» قد تكون شملتهما توصية الفصل على خلفية (الكاريزما) التي يتمتعان بها داخل التنظيم والحركة الإسلامية. وعلى ذات الصعيد تلاحظ أن القابضين على القرار في المؤتمر الوطني استبقوا اجتماع المجلس القيادي بتجميد عدد محدود من العضوية أغلبهم في المكتب القيادي، يعتقدون أنهم المحرك الأساسي للحركة الإصلاحية حتى لا يشاركوا في الاجتماع الذي رفعت فيه توصية الفصل لثلاثة منهم للمجلس الشورى. كذلك حاولت قيادات اللجنة استدراك خطأ قانوني وقعت فيه المرة السابقة حينما صدر قرار تجميد بعض عضوية الإصلاح من لجنة المحاسبة كقرار مؤقت، ولم يصدر من المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني أو أي جهة تنظيمية داخله حسب ما ينص النظام الأساسي للمؤتمر الوطني وفقاً لما ذكرت قيادات الإصلاحيين.
وهناك ثمة إشارة تدل على أن القرار لا يتخذ بشكل مؤسسي، ولهذا السبب لم يعرض على هذه الجهات، وربما لكثرة الانتقادات التي وجهت صدرت توصية الفصل هذه المرة من المكتب القيادي.
الشخصيات التي رفعت توصية لمجلس الشورى لفصلها كانت متمسكة إلى آخر مؤتمر صحفي عقدته بمنزل دكتور «غازي صلاح الدين» منتصف الأسبوع، بشعرة معاوية التي تقتضي الاستمرار في الحزب ومواصلة الإصلاح من داخله؛ ولهذا السبب قامت بنشر مذكرتين الأولى لأعضاء المكتب القيادي وأعضاء الشورى والحزب عامة، والثانية كانت لجميع السودانيين، وأكدوا لعضويتهم أن الأحداث الأخيرة في البلاد شكلت سانحة للمراجعة والإصلاح والبحث في الذات عن المهمة التي انتدب لها المؤتمر الوطني نفسه، وجددوا تمسكهم في البقاء داخل الحزب وأظهروا عدم نيتهم الانشقاق منه، وهذا ما أشار إليه بروفيسور «حسن الساعوري» في حديثه أمس لـ(المجهر) حيث قال: (المجموعة الإصلاحية لا تريد الانشقاق أو الفتنة وهم احتاطوا عندما أعلنوا للقواعد أنهم يريدون الإصلاح فقط وليس تكوين حزب جديد، إلا أن المؤتمر الوطني ضاق ذرعاً) واعتبر ما حدث خروجاً عن مؤسسات الحزب. ولم يرَ الساعوري في مخاطبتهم لرئيس الحزب مخالفة، معتبراً أن رئيس الحزب مؤسسة من مؤسساته وهؤلاء ليس لديهم ثقة في الآخرين، وطالما أن المذكرة قدمت للرئيس فهذا يعني أنها لم تخرج من مؤسسة الحزب، وإذا كان هم أصحاب شريعة فالشريعة لا تمنع الاتصال بالحاكم مباشرة، فالنصيحة لله والرسول وأئمة المسلمين.
وما يجدر ذكره أن معظم المتبنين لفكرة الإصلاح يعتبرون من الشخصيات المعروفة بوزنها التنظيمي والسياسي والفكري ما يعني أن فصلها سيقود المجموعة الإصلاحية والمتعاطفين معها داخل حزب المؤتمر الوطني إلى إعلان مساندتهم وانضمامهم لها حال فكروا في تكوين جسم جديد، فهناك شباب وطلاب ومجاهدون سبق أن رفعوا راية الإصلاح عبر مذكرات لرئيس الحزب وقياداته، وهذا ما ذهب إليه «الساعوري» الذي قال: (الثلاثة الذين صدرت توصية بفصلهم، من قاموا باتخاذ القرار اعتبروهم رأس الحية وظنوا أنهم إذا فصلوا سينتهي الأمر، لكن – والحديث للساعوري – الدعوة للإصلاح دعوة قاعدية لم تكن خاصة بغازي ومجموعته فأساتذة الجامعات قبل ثلاث سنوات نادوا بالإصلاح وهناك عدد آخر من الإصلاحيين داخل المؤتمر الوطني والمجاهدين سبق أن قدموا مذكرة طالبوا فيها بالإصلاح وهناك الشباب والطلاب). وتوصل «الساعوري» في حديثه إلى أن الدعوة تمثل تياراً عريضاً، وليست محصورة في «غازي» ومجموعته، وستظل حية داخل الحزب، وإذا استمر الوطني في فصل كل من يقود حركة إصلاحية سيفقد كثيراً من قواعده، والدليل على ذلك أن عضوية الوطني الآن تسأل: لماذا يوصى بفصل هؤلاء طالما يدعون إلى الإصلاح؟.
وبدوره قال الأستاذ «أمين بناني» رئيس جبهة الدستور الإسلامي إن المجموعة التي سمت نفسها الإصلاحيين تعتبر من أميز المجموعات داخل الحزب والآن استشعرت الخطر على نظام الحكم. وتمنى «بناني» أن يتطور تفكيرها بحيث تشعر بالخطر الذي يهدد البلاد حتى تسهم في التغيير القادم. وأكد «بناني» في حديثه لـ (المجهر) أن الثورات التي قامت كان لديها رصيد في النظام، والآن الإصلاحيون يمثلون رصيد الشعب داخل النظام؛ ولهذا السبب سيكون موقف النظام حاسم مع الإصلاحيين، والآن هو استدرك أن الضربة من الداخل، فعبر عن ذلك بفصل قامات كبيرة. مضيفاً أن الإصلاحيين أصبحوا يمثلون خطراً على النظام، بعدما صاروا جزءاً من قوى التغيير وليس حركة تصحيح داخلية.
ونوه «بناني» إلى أن حالة الضعف التي اعترت المؤتمر الوطني جعلت مجموعة صغيرة تتحكم فيه ومستعدة لمواجهة من يهدد نظامها، وتوقع «بناني» أن تمتد الأزمة إلى كل أجهزة الدولة، وينعكس الصراع على أجهزة حساسة ويحدث عدم استقرار. وختم حديثه بالترحيب بهذه المجموعة حال أنها فكرت في الانضمام للمعارضة لإصلاح البلد.
التوصية التي صدرت من المكتب القيادي للمؤتمر الوطني لمجلس الشورى بخصوص فصل «غازي صلاح الدين» و»حسن رزق» و»فضل الله أحمد عبد الله» فهمها المراقبون في إطار شعور المؤتمر بخطر هذه القيادات إلى درجة جعلته يتهم هذه المجموعة بالشروع في تكوين حزب رغم نفيها، إلا أن صدور مثل هذا القرار يمكن أن يدفع المجموعة إلى التفكير في قرار الانفصال، لاسيما أنها تضم شخصيات معروفة على المستوى الداخلي والخارجي مثل دكتور «غازي صلاح الدين»، وقد يكون بالفعل بدأ «غازي» في تنوير شخصيات إسلامية في الداخل والخارج بما يدور؛ تمهيداً للحظة فاصلة. وعلى المستوى الداخلي ظل «غازي» يلتقي بكثير من الشخصيات مثل دكتور «الترابي» و»الصادق المهدي» كما ورد في حديثه لإحدى الصحف.
المؤتمر الوطني في مؤتمر صحفي أمس عقد بداره أمهل من أوصى بفصلهم أياماً للاستئناف، ورهن كذلك العفو عنهم بالاعتذار، لكن وقائع الحال لا تدل على أنهم سيختارون خيار الاعتذار، وهذا ما أكدته إحدى الموقعات على مذكرة الإصلاحيين دكتورة «عطيات مصطفى» عندما قالت لـ(المجهر) إن الإصلاح مبدأ من مبادئ هذه المجموعة التي تقوم رؤيتها أساساً على الشورى لذلك اعتذار الناس عن الإصلاح أمر غير مقبول. وأضافت أن الإصلاحيين لم يرتكبوا أخطاء حتى يعتذروا عنها، وإذا كانت هناك تهمة محددة يجب أن تُذكر لهم، وقالت إن مجموعة الإصلاحيين غير معترفة بما صدر من قرارات سواءً قرار تجميد بعض العضوية أو توصية الفصل التي صدرت بشأن ثلاثة منهم. وأكدت أن القانون الدولي يعطي الإنسان الحق في الدفاع عن نفسه لأن المدان لابد أن يدافع عن نفسه.
أخيراً ما صدر حتى الآن بشأن بعض الإصلاحيين يدل على أن القابضين على مواقع القرار يريدون تقسيم هذه المجموعة، فبعد أن اختاروا شخصيات بعينها حينما اتخذ قرار التجميد وتوصية الفصل، عادوا واعتبروا أن العسكريين المنتمين للمذكرة ليسوا جزءاً من الحزب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية