ما أشبه الليلة !!
نهضت “مريم” شقيقة السلطان “علي دينار” من سريرها صباحاً، وأخبار قدوم الأتراك نحو الفاشر يهمس بها المجتمع همساً خوفاً من بطش السلطان وجلاوزته من ما تبقى من النفعيين بعد أن ذهب الرجال المخلصون لسبيلهم.
وقفت “مريم” أمام شقيقها السلطان “علي دينار” وهو جالس على أريكته يحيط به الحرس.. عانقت شقيقها بمودة وحب عميق.. وقالت للسلطان “علي دينار”: (سيدي السلطان صحيح الترك جو في سيلي)، أي هل الأخبار التي تتحدث عن وصول جيش الأتراك لوادي سيلي القريب من الفاشر صحيحة؟! صمت السلطان برهة وسأل عن القائد العسكري فلان فقال له الدرق: سيدي كان خائناً فقتلته.. سأل عن الفارس علان وكانت الإجابة مثل سابقتها لقد قتلته سيدي السلطان.. سأل عن ثالث وعاشر من الفرسان المخلصين والإجابة واحدة.. قتلتهم سيدي السلطان، أطرق الرجل في زهوه وكبريائه ونظر لشقيقته “مريم” بحسرة على مُلك قد ضاع وسلطنة قد اندثرت قبل أن تخوض معركتها الأخيرة.. وحال السلطان “علي دينار” كحال الخليفة “عبد الله التعايشي” الذي مات بشرف على (مصلايته) في أم دبيكرات جنوب غرب كوستي، بعد أن هزمت العوامل الداخلية والخلافات القبلية في الثورة المهدية الفكرة والمشروع قبل خوض المعركة الفاصلة.
كثيرة هي الدروس والعبر من التاريخ القديم والحديث، وقليل من القادة والرموز والرؤساء من يعتبر ويستلهم دروس الماضي لغده وحاضره، وقديماً قال الإمام “علي” كرم الله وجهه ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار.
وبلادنا الآن في مرحلة صعبة تتطلب قدراً من التماسك والوحدة والتنازلات والصبر من القادة على أخطاء من هم دونهم من القيادات.. نظرة واحدة للإعلام العربي من قنوات فضائية وصحافة إلكترونية وصحافة ورقية.. تكشف عن ضعفنا ووهننا.. وقلة حيلتنا وأن بلادنا أصبحت كأنها امرأة مباحة للجميع.. تضع على خدها من الأقلام العربية ولا ينهض بالدفاع عن السودان كوطن والإنقاذ كفكرة، أحد.. صحافة العرب المهاجرة بحثاً عن الحرية في الغرب والمسأنسة مع الممالك والمشيخات العربية تحدت السودانيين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان! حتى “عبد الرحمن الراشد” (يتطاول) على الرئيس “البشير” (سفاهة) وهو الذي لا يرفع عينه على رئيس بلدية في بلاد أولياء نعمته!
ولكن الإنقاذ لا ينافح عنها إلا عدد قليل جداً من الأقلام، وهي لا تحترم حتى من يلتزم صفها وينافح عن مشروعها وتهرع الإنقاذ لمعارضيها لإرضائهم وتبذل لهم الغالي والثمين وهم في حالة فرار دائم منها، كما تفر العنزة الصحيحة من القطيع الأجرب.
أين هي الأقلام التي عرفت تاريخاً بصياغة المشروع الإعلامي للحركة الإسلامية؟ هل طواها النسيان أم أرعبها طوفان التيار العلماني من القاهرة حتى تونس والرباط؟ أم أساءت السلطة إليها وباعدت بينها ومارست عليها الإقصاء والإبعاد والشكوك والظنون.. كحال السلطان “علي دينار” أيام سطوته وجبروته وهو يبعد من يشاء بوشي النمامين وتقارير المخبرين حتى فقدت السلطنة قادتها المخلصين، ولم يبقَ في حماها إلا قلة من الذين يرتجون أجراً مقابل وشاياتهم، وفي هذا المناخ والبلاد في امتحان أن تبقى أو تزول إذا لم تتسع الصدور، وتتعافى النفوس ويعذر الحاكم المحكوم فإن دروس التاريخ ستسقط في اختبارها قريباً جداً.