حوارات

عضو مجلس قيادة الثورة الأسبق وأحد موقعي (الإصلاحية) الأخيرة "صلاح الدين كرار" لـ(المجهر)

قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي نفذته الحكومة خلال الأيام الماضية، أفرز بعض المتغيرات في الواقع السياسي برزت بسبب جملة من الموضوعات، كان من بينها دفع مجموعة من منسوبي المؤتمر الوطني بمذكرة إلى رئيس الجمهورية اعتراضاً على بعض السياسات رد عليها الحزب بتكوين لجنة محاسبة للموقعين عليها. وعلى صعيد التنظيمات الأخرى اتجهت الأحزاب المعارضة إلى دعم احتجاجات المواطنين الرافضة للقرارات الاقتصادية.. وفي خضم هذه التجاذبات التي تعيشها الساحة، خرج المؤتمر الوطني داعياً بعض الأحزاب إلى حوار حول الدستور وبعض المسائل الوفاقية الأخرى، وأكد عزمه على عرض نتائج لجنة محاسبة بعض عضويته الموقعة على المذكرة نهاية الأسبوع، وكان بينهم “صلاح كرار”.. ويعدّ “صلاح كرار” من الشخصيات المعروفة التي شاركت في صياغة مشروع الإنقاذ منذ أن كان فكرة تراود بعض الضباط المحسوبين على الحركة الإسلامية، ورغم تحفظاته التي ظل يبديها من وقت لآخر حول بعض سياسات المؤتمر الوطني ما زال ملتزماً بعضويته، لكنه فضل أن تصل تحفظاته على بعض سياسات حزبه عبر مذكرة مع بعض المتوافقين معه إلى السيد الرئيس.. (المجهر) التقت “صلاح كرار” في حوار تناول الراهن السياسي ودواعي المذكرة.. فإلى التفاصيل.
} لماذا اخترتم أسلوب المذكرات للتعبير عن آرائكم بدلاً عن طرحها داخل أجهزة الحزب؟
– فكرة المذكرة جاءت نتيجة للأوضاع التي تعيشها البلاد بصورة عامة وحزبنا المؤتمر الوطني، فمنذ فترة ضاقت المواعين لدرجة أنك لا تستطيع طرح رأيك من خلال الأجهزة.
} كيف يدار الحزب؟
– الحزب الآن تديره مجموعة محددة من المنتمين له، وأصحاب المذكرة كذلك من مؤسسي الإنقاذ والمؤتمر الوطني، وأعضاء أصليون في الحركة الإسلامية.
} كأن الموضوع مرتبط بالحركة الإسلامية؟
– تذكرون ما حدث في مؤتمر الحركة الإسلامية قبل أكثر من عام، ومنذئذ رأينا هيمنة المؤتمر الوطني على الحركة الإسلامية، وإصراره أن تكون تحت سيطرته كان واضحاً من خلال ما حدث في انتخابات المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية.
} ما دليلك؟
– نحن حينها أثبتنا ذلك عبر لجنة كونها السابق البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” رئيس مجلس الشورى الأسبق، ولهذا السبب تجمع الحادبون على مصلحة الحزب والإنقاذ بعد أن رأينا أن الإنقاذ تمضي في اتجاه لا يخدم مصلحة الحزب أو السودان، خاصة بعد انفصال الجنوب الذي كان يدل على ضيق المواعين من خلال اتفاقية السلام التي قادت إلى الانفصال.
} إذن هناك كثير من المواقف أدت إلى هذه المذكرة؟
– نعم.. كثير من المواقف والمحطات أدت إلى اجتماع عدد من الناس للتداول حول كيفية إصلاح المؤتمر الوطني من الداخل.
} ما مدى إمكانية انشقاق هذه المجموعة حال فشلها في تحقيق مطالبها الإصلاحية؟
– الناس تعاهدوا وتوافقوا أن لا تؤدي رؤيتهم الإصلاحية إلى انشقاق الحزب وقيام تيار منفصل، لأن الهدف هو الإصلاح، لكن إذا تم فصلنا حينها سيكون لكل مقام مقال.
} أخذ عليكم تجاوزكم لأجهزة الحزب؟
– قرارنا كان كتابة المذكرة لرئيس الجمهورية مباشرة دون المرور عبر رئاسة الجمهورية أو أجهزة الحزب.
} لكن التدرج الطبيعي يقتضي مرورها.. أليس كذلك؟
– لأن أجهزة الحزب ستقوم بإفسادها، لذلك كان قرارنا أن تصل المذكرة إلى السيد رئيس الجمهورية عبر شخص يشرح له دوافعها ويبين دواعيها، ويوضح له أن المذكرة صدرت من حادبين على مصلحة الحزب ولا يسعون إلى تفتيته أو انشقاقه، وليست لهم قضايا شخصية، وبينهم أعضاء في المكتب القيادي وهو أعلى سلطة حزبية ومنهم “غازي صلاح الدين” و”حسن رزق” و”عائشة الغبشاوي”.
} أما كان الأجدى طرح هذه المذكرة في اجتماع المكتب القيادي الذي يحضره الرئيس؟
– هؤلاء شعروا بأن المكتب القيادي لا يمارس سلطات، تأتيه الأمور جاهزة ولا مجال للنقاش حولها أو التعديل.
} ما علاقة المذكرة التي صدرت حديثاً بما صدر من مذكرات قبل ذلك؟
– هذه المذكرة بدأ التفاكر حولها منذ انفصال الجنوب، ثم جاء مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير الذي ظهرت فيه هذه المجموعة بشكل واضح، فـ”غازي” كان مرشحاً لمنصب الأمين العام للحركة الإسلامية، وكانت هناك مجموعات تعمل على إقصائه، و”حسن رزق” كان مرشحاً كأمين عام لولاية الخرطوم، وفي ذلك الوقت شعرنا بأن هناك عملية تمت ومن أرادتهم هذه المجموعة هم الذين وصلوا إلى هذه المواقع رغم معارضة الناس، لأن هذا كان يعبر عن إرادة مجموعة داخل الوطني.
} لكن قيل إن الأمين العام الحالي شخصية متفق حولها وحاول الجلوس مع “غازي”؟
– الأمين العام الآن لا يمارس سلطات، وهو جزء من قيادة يرأسها الرئيس ونوابه، والحركة الإسلامية أصبحت غير فاعلة ولا قيمة لها، ومنذ ذلك الوقت كان التفكير منصب في كيفية معالجة هذا الخلل الموجود في أجهزة الحزب.. والسؤال الذي كنا نتداوله هو كيف نجعل من المؤتمر الوطني حزباً يقود بلداً يعاني من مشاكل كثيرة وضربه الفساد والفوضى، ولهذا السبب كتبنا في 9 سبتمبر مذكرة لرئيس الجمهورية تتحدث عن المجموعة وأهدافها وأغراضها والإصلاح المطلوب في الدولة والحزب من جانب المجموعة، وقدمنا مقترحات محددة في كل مسألة من المسائل، تمثلت في المسألة السياسية والاقتصادية إلى جانب موضوع الوفاق الوطني.
} لمن سُلّمت المذكرة.. لأن الحزب قال إنها لم تُسلّم للرئيس؟
– المذكرة كانت عبارة عن خطاب مفتوح، وهذه تعدّ من الوسائل التي يمكن أن تخاطب بها أي مسؤول عندما تكون الوسيلة المتاحة غير فعالة، وعندما فشلت المذكرة ذهبنا إلى الرئيس عبر الوسيط، وهذا ليس عيباً، حتى لا يلومنا أحد بأننا تجاوزنا المؤسسات، سلمناها إلى رئيس الجمهورية عبر أحد أعضاء الإصلاح والرئيس كعادته لم يمانع، لكن اعترض على مسألة واحدة ووعد بأنه سيجتمع….
} مقاطعة.. اعترض على ماذا؟
– بعض الناس كانوا يرون باستقالته من المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية حتى لا يكون حكراً على حزب أو فكر معين، ويصبح رئيساً لكل الناس، ولديه القابلية للإصلاح دون أن يحسب على جهة محددة.
} ماذا كان رأي الرئيس؟
– الرئيس كان يرى أن الدستور ينص على أنه إذا تخلى عن المؤتمر الوطني يجب أن يستقيل من رئاسة الجمهورية، باعتبار أن الحزب هو الذي رشحه لهذا المنصب، وهذه مسألة خلافية.. بعض الناس يرون ليس بالضرورة الربط بين هذه المسائل، وكان من بين مطالبنا أن يقوم الرئيس بإصلاح فيما تبقى له من فترة رئاسية، وكان الرئيس موافقاً لكن كنا نعلم أنه لن يترك ليستجيب لهذه المطالب أو حتى مقابلتنا، وكانت قناعتنا أن المجموعة التي من حوله لن تجعله يمضي معنا كتيار إصلاحي لأنه سينظر لنا باعتبارنا متفلتين، ويقولون إن أجهزة الحزب قادرة على استيعاب ما يطرح من آراء، وعلينا أن نأتي عبر التسلسل.
} ربما كانوا محقين في رأيهم؟
– هم غاب عليهم أننا لا نستطيع الوصول إلى الرئيس بسبب ما نواجهه من معوقات، وأنا على المستوى الشخصي لست عضواً في اللجنة الاقتصادية للحزب ولا تتم دعوتي لأي اجتماع رغم أنني كنت رئيساً للجنة الاقتصادية في مجلس قيادة الثورة، وبعد ذلك تم تأسيس الحزب، وفي الأيام الأولى أنشأنا اللجنة الاقتصادية، ورغم ذلك لا يدعونني أصلاً، فكيف يصل رأيي وأنا لست عضواً في أية أمانة في الحزب.
} أبديت كذلك معارضة للسياسات الاقتصادية الأخيرة بوصفك من المختصين.. على أي أساس بنيت هذا الرفض؟
– نحن قلنا إن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة لم تمارس فيها شورى، بل كانت ضيقة جداً، ولا يمكن بعد أن تفعل الشيء تأتي لتتشاور حوله، وحتى الآن نحن ندعو إن كانت الحكومة جادة في بسط الشورى وجمع الصف الوطني، فليبدأ ذلك بتكوين لجنة قومية يشارك فيها حزب المؤتمر الوطني بقدر ما تشارك الأحزاب الأخرى لإعداد ميزانية 2014م، وهذا سيكون بمثابة حد أدنى من المشاركة.
} كيف يتم ذلك؟
– أن يأتي المؤتمر الوطني بشخصيتين وتأتي الأحزاب الأخرى بمثل ذلك إلى جانب الشخصيات القومية لوضع الميزانية، فإما اتفقوا مع رؤية المؤتمر الوطني في أن الإصلاح الاقتصادي يتم عن طريق رفع الدعم، أو قامت هذه المجموعة بتقديم خيار آخر للإصلاح، وبالتالي يستفيد السودان.. هذا ملخص دعوتنا.
} قيل إن هناك مجموعات أبدت رغبتها في الالتحاق بالمجموعة الإصلاحية؟
– جاءنا كثير من الناس، لكننا رفضنا مشاركتهم حتى لا تأخذ طابع المعارضة وتظل في إطار أنها مذكرة داخلية مقدمة من عضوية مميزة في الحزب ومعترف بها، بعضهم مؤهل لشغل منصب رئيس المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، والبعض الآخر مؤهل لمواقع أمناء الأمانات أو رؤساء القطاعات أو نواب لرئيس الحزب للشؤون السياسية، والآن هناك أكثر من (500) عضو يتوافدون للتوقيع، وستأتي أسماؤهم تباعاً.
} مثل من؟
– اللواء معاش “العوض محمد الحسن” و”شرف الدين بانقا”، وشخصيات أخرى لا تستطيع الطعن في وطنيتهم.
} رغم ذلك بدأت محاسبة هذه العضوية؟
– هذه جعجعة إعلامية تأتي من أناس غير مؤهلين لقول مثل هذا الكلام.. والسؤال من يحاسب من؟ الأجدر بالمحاسبة من أوصلوا البلاد إلى هذه المرحلة.
} بوصفك أحد الاقتصاديين.. هل ستحل القرارات الأخيرة مشكلة؟
– قرارات رفع الدعم الأخيرة لن تحل المشكلة الاقتصادية لأنها أكبر مما تمت معالجته، والقضية السياسية أكبر من غيرها، وحل المشكلة السياسية سيكون مدخلاً لحل القضايا الاقتصادية، وأجمل تصوري في رسالة للأحزاب المعارضة التي تريد إسقاط النظام والمعارضين، وأقول لهم إنكم لن تستطيعوا إسقاط هذا النظام بنفس الطريقة التي سقط بها نظامي “عبود” و”نميري”.
والإنقاذ لن تستطيع قهر الشعب، وأقول للاثنين نحن أقرب للنموذج السوري، لابد أن يستوعبوا ذلك، وأخطر سيناريو أن يتحول الصراع إلى نزاع مسلح بين الحكومة والمعارضة، و(24) عاماً كافية لتقييم التجربة، ونحن في المؤتمر الوطني من خلال تيار الإصلاح كنا ندعو إلى تقييم تجربة الإنقاذ.. لابد من تقييم التجربة، من ناحية سياسية لدينا تجارب في اتفاقيات أقمناها مع الأحزاب والحركات المسلحة والجنوب الذي انفصل، كذلك على المستوى الاقتصادي هناك تجارب كثيرة لابد من مناقشتها، وكذلك نعرف إلى أي مدى كان هناك فساد، لأن الناس يتحدثون عن أن الفساد في عهد الإنقاذ غير مسبوق، ويقدمون شواهد لا نستطيع الدفاع عنها، على الأقل نقول هناك شبهة فساد وسط بعض المسؤولين، وهناك شبهة فساد وسط كثير من الذين ركبوا قطار الإنقاذ من الأحزاب الأخرى، وبعض هؤلاء كانوا منفرين في المؤتمرات الصحافية الأخيرة وأساءوا للإنقاذ بما أبدوه من سلوك.
} أين الأحزاب من ما تم مؤخراً في الشارع العام؟
– للأسف الشديد حركة الشارع نفسها يئست من الأحزاب، وأنا هنا أتحدث عن الأحزاب التقليدية مثل الأمة والاتحادي والجبهة الإسلامية، جزء كبير منها في الحكومة، الناس يئسوا من الأحزاب وخرجوا من غير أن تقودهم الأحزاب وهي للأسف الشديد دائماً تأتي متأخرة لقطف الثمار.. في أكتوبر تحرك طلاب جامعة الخرطوم، ثم جاءت من بعد ذلك من خلال هيئة الأحزاب، وفي مايو كذلك بعد انفجار الأوضاع جاءت لقطف الثمار.. الآن هناك أحزاب غائبة وأحزاب بها خلافات واستقالات بسبب مواقف بعض قيادتها من الأحداث.
} ما تقييمكم للأوضاع الاقتصادية؟
– الوضع الاقتصادي هو انعكاس للوضع السياسي، فالسياسة تؤثر على الاقتصاد، وأنا لا أخشى على السودان من انهيار اقتصاد كامل لأن به إمكانيات راسخة تسير نفسها بنفسها، فإذا تحدثنا عن رفع الدعم عن الجازولين نجد أن أكثر المناطق تأثراً هي الشمالية التي تعتمد على الجازولين في الزراعة، ولن يأتي يوم تتوقف فيه الزراعة، وهذا واحد من مؤشرات رسوخ هذه الإمكانيات، لكن للأسف القضية الاقتصادية تعقدت.
} كنت من المشاركين في بداية الإنقاذ.. ما هي التدابير التي قادت إلى استقرار الاقتصاد بعد أن وصل مرحلة متدهورة آنذاك؟
– نحن في الفترة من 89 / 90 إلى 99 بدأنا برامج ثلاثية توصلنا فيها إلى استقرار سعر الصرف، وهذا كان قبل تدفق النفط، وانخفض معدل التضخم إلى أقل من (10%)، لكن للأسف الشديد عندما دخلنا مرحلة إنتاج النفط لم نربط هذه الفترة مع فترة الوفرة، كما أننا لم نسخّر إمكانيات هذه المرحلة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية