الديوان

قاموس الأسماء السودانية ودلالاتها.. للساسة منها نصيب!

اندلقت من المعاجم العربية أسماء لبني الإنسان ما أنزل الله بها من سلطان، ولولا وجود معانٍ لها داخل معاجمنا لخلتها أسماء أعجمية وليست من بلاد العم سام، أسماء يتلوى اللسان وينطوي قبل أن يتمدد وهو يلفظها من فرط لزوجتها، رغم اقتطافها من حديقة الأسماء العربية، لكن هناك مفارقة تكمن في إستحداث أسماء صغيرة لجدات اليوم، وبات في حكم العادي أن تجد (حبوبة) تدعى (هناء) أو (سناء) و(سحر) و(سهير) وغيرها من أسماء الحقبة الوسطى، فيما تلاشت بفعل الأقدار أسماء قديمة ما تزال تبرق ناصعة في الذاكرة من أسماء الزمن الجميل، ولا غرو في ذلك فقد تبدلت مهام ودور (الحبوبة الزمان) تبعاً لتطورات الاسم ومسببات ذلك. والإسم رغم أنه دلالة لكنه يخضع لمعايير ويتمخض عن تداعيات اجتماعية كثيرة، وفي السودان هناك أسماء بعينها تنتشر في بقاعه، كما أن قبائل بعينها اختصت لنفسها بأسماء أضحت حكراً عليها وبمثابة بطاقة تعريفية حال المناداة بها، أما أسم الرسول الكريم “محمد” فهو الأوسع انتشاراً وتيمناً به وكأن الأمر فرض عين بإطلاقه على الباكورة، فيما تنشط بقية أسمائه إبان المناسبات الدينية.
الأسماء السودانية من منظور اجتماعي
والتيمن بالإسم سمة تغلب على مجتمعنا، وبطريقة أو أخرى يدخل في زمرة السبر وغيره من الطقوس المعتنقة، كأن تتعسر ولادة إحداهن فيطلق حال ولادتها اسم المولود على (السستر) أو الطبيب. وبحسب بحث طريف بعنوان (الأسماء السودانية من منظور اجتماعي ثقافي) قدمه “معتصم مصطفى”، أستاذ الأدب والنقد في (جامعة الزعيم الأزهري) أثناء محاضرة بـ(مركز راشد دياب) بالخرطوم مؤخراً، تناول فيه تاريخ الأسماء ومدلولاتها الثقافية ومرجعيتها، قال إذا كان أطفال المرأة يموتون تباعاً عقب ولادتهم فيسمى الابن اسماً قبيحاً حتى لا يخطفه الموت كإخوته. ومن تلك الأسماء “كوكو” و”دوكة”، وهذا أمر شائع، وفي بلاد (المجر) في العصور الوسطى كان الأطفال يسمون بأسماء يدعى الواحد منهم بـ(الموت الصغير) أو (ليس حيا) أو (القذارة)، وذلك لصرف الأرواح الشريرة عنهم. وهذه العادات الخرافية والخزعبلات تعكس الرهبة العميقة أمام الكلمة وسحرها العجيب، وإذا ما توفي للمرأة ولد، وولدت بعده آخر فتسميه “عوض” أو “قسم الله” أو “صبري” أو “صابر”، وإذا كانت المولودة أنثى فتسمى “عوضية”.
التأثر بالأحداث السياسية
وتتأثر الأسماء بالأحداث السياسية، فقد يظهر الإعجاب بزعيم عربي أو أفريقي أو آسيوي، فتنتشر أسماء مثل “غاندي” و”عبد الناصر” و”ماو” و”لوممبا” في الستينيات، وفي ثورة أكتوبر 1964م يسمي الناس بناتهم، “انتصار” و”ثورة”. وكثرت أسماء “قرشي” و”عبد الفضيل” للمواليد الذكور حينها – وهما اللذان استشهدا في الثورة. وعند زيارة السيدة “أم كلثوم” للسودان أعقاب نكسة 1967م سمى كثير من الناس مواليدهم البنات في ذلك العام باسمها. وأثر التحالف الثلاثي الذي تم بين مصر والسودان وليبيا سمى بعض الناس أبناءهم: “ناصر” أو “نميري” أو “قذافي”. وأنجب أحدهم ثلاثة ذكور في ذلك العام فأسماهم بأسماء الزعماء الثلاثة‍، وكذلك اسم “صدام” الذي انتشر في التسعينيات، ولتأثير وسائل الإعلام في الثمانينيات، استعيرت أسماء كثيرة لبطلات السينما المصرية، مثل “شيريهان”، “نجلاء”، “فاتن” ويسرا، وكذلك أسماء نجمات السينما الهندية، إضافة إلى الأسماء الأجنبية التي كثرت حالياً “كسيلفيا”، “آن”، “ماجدولين”، “نادين”، “نانسي”، “جلنار” و”ساندرا”..
ويتضح ان ثمة تشدداً واضحاً في المجتمع السوداني في تسمية الأبناء الذكور بأسماء إسلامية أو عربية عتيقة أو أسماء أجدادهم حتى يخلد اسم الأسرة، أما البنات فتلجأ الأسر لتسميتهن الأسماء الجديدة المبتكرة والأسماء الأجنبية.
أسماء حكر على قبائل السودان
وفي السياق ووفقاً لما كتبه الأستاذ “خالد محمد فرح” في مقال بعنوان (الدلالات الثقافية والاجتماعية لأسماء السودانيين)، هناك أسماء اختصت بها قبائل بعينها كاسم “سيد أحمد” وهو أكثر دلالة على أهل شمال السودان من اسم “أحمد”، فضلاً عن “سيد أحمد”، أما “أوشيك” فهو اسم يدل على أهل شرق السودان من قبائل البجة وخصوصاً (الهدندوة) ومنها أيضاً “أوهاج”، و”أونور”، و”أبو فاطمة”، و”أبو آمنة”، وكذلك اسم “محمد طاهر” بسبب تأثير الطريقة المجذوبية، ومن أسماء الرجال المميزة لشرق السودان أيضاً، أسم “محمد دين”، بينما يكثر اسم “إدريس” بصفة خاصة بين (البني عامر)، فكأنه علامة مسجلة لهم. علاوة على انتشار أسماء أعلام الطريقة الختمية ورموزها في سائر شرق السودان مثل: “حسن”، “ميرغني”، “محمد عثمان”، “هاشم”، “تاج السر” و”سر الختم”..الخ.
 وفي المقابل، يدل اسم: “هرون” على أهل غرب السودان، وبالأخص (دارفور) التي تكثر فيها أسماء الأنبياء على أنَّ اسم (آدم) هو الأكثر دلالة من غيره في الغرب عموماً، إذ لا تكاد تخلو منه قبيلة قط. وأهل شرق السودان من قبائل البجة عموماً، يكثر فيها اسم “آدم” أمّا اسم (ملوال) فربما يكون أخص دلالة على قبيلتي (الدينكا) و(النوير).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية