(نوبل) لمن يا ترى؟!
حين يصل عدد المترشحين إلى ما يقارب الثلاثمائة.. وحين تبدو فرصهم متقاربة وحظوظهم متساوية.. فذاك يعني أنه لا يوجد مرشح قوي تمكن من خطف الأضواء وأحدث اختراقاً لافتاً يستحق عليه الاحتفاظ بالجائزة دون سواه!!
وحين تختلط أوساط المرشحين بساسة ورياضيين وفنانين وحقوقيين وناشطين ونساء ورجال.. شيوخ وشباب.. فذاك يؤكد أيضاً حجم الحيرة التي تواجه لجان تحكيم هذه الجائزة العالمية ذائعة الصيت!!
وحين تكون الجائزة مخصصة للسلام ثم تتفرع اهتمامات المرشحين لها في اتجاهات شتى لا رابط بينها يفضي للسلام دائماً، فهذا يؤشر إلى إشكالية أخرى لا تتصل بالجائزة هذه المرة وإنما بمصطلح السلام نفسه، الذي يبدو أن الرؤية حوله تتقاطع إلى حد كبير تماماً مثل رؤية الفلسطينيين مقابل رؤية الإسرائيليين.. وقريباً من مغبة الإرهاب مقابل المقاومة.. وليس ببعيد عن أزمة الثورات الشعبية في موازاة الانقلابات على الشرعية المدفوعة ببعض أو كثير من السند الشعبي!! المهمة في كل الأحوال مستعصية أكثر من سابقاتها في ظل ظرفية عالمية تعتريها مستجدات معقدة وإشكالات بالجملة في طرائق التفكير وأنماط التعبير وأساليب التصنيف والتوصيف!!
(نوبل) ليست بريئة على إطلاقها، وظلت دائماً محل اشتباه ومكان اتهام من قبل من لهم حجتهم القاطعة في اعتناق نظرية المؤامرة.. وساهم في ازدياد الشبهات من حولها أن الجائزة ذهبت في معظم الأحايين إلى أشخاص يختلف حولهم، وعلى أهمية ما قدموه للسلام ضمن المفهوم الذي ما زال هو محل اختلاف، وفي ظل تغييب أسماء ظلت محرومة من شرف نيل الجائزة لمجرد أنها ضمن قائمة المعادين للسامية أو الرافضين لهيمنة القطب الواحد!! ورغم ذلك ظلت (نوبل) تحتفظ ببريقها ضمن آلة إعلامية ضخمة تقف من خلفها كبريات دول العالم، ولا تتورع في تدشينها كأهم جائزة عالمية، وظل المناوئون لها يقعون في فخ الانصياع لاختياراتها كلما قدمت لهم جزرة وانتقت أحد الذين ينتمون إليهم جغرافياً أو فكرياً رغم أن تعدادهم أقل بكثير جداً من مجموع الذين تحصلوا عليها، وما زالوا الأوفر حظاً في انتزاعها راهناً ومستقبلاً!!
في العاشر من الشهر الجاري سيُعلن عن الفائز بنوبل للسلام من بين العشرات الذين تم ترشيحهم حتى الآن.. وككل مرة وببراءة متناهية احتفت وسائط إعلام المنطقة العربية بكوكبة من الوجوه التي قيل إنها ضمن قائمة المرشحين، بينهم شباب أشعلوا فتيل الثورة في تونس ومصر، وتتسع الرقعة لتشمل ضحايا تعذيب وانتهاكات، غير أن الغالب الأرجح ذهاب نوبل للسلام إلى أكثر من شخص في ظل قائمة المرشحين الطويلة، وأن تطير كسابقاتها بعيداً عن سماء المنطقة، وإن كان احتمال أن يحصدها أحد الشرق أوسطيين قائماً بسبب ما تمور به المنطقة من أحداث كبيرة خطفت أنظار العالم واستوقفت ساعته لوقت طويل، وهو أمر يستحق أن تقابله (نوبل) بالاهتمام وإلا كانت بالفعل (مسيسة) إلى حد ساذج قد يفقدها ما تبقى من مصداقية واعتراف عالمي، وبعيداً عن العالم قريباً من هذا البلد الذي كثيراً ما ظلم فلم يتحصل من بريق العالمية إلا شذرات لأفراد نجحوا في القفز بإبداعاتهم وإنجازاتهم خارج حدود الوطن، ورغم ذلك كان الضوء يسكب عليهم بحساب وبخل شديدين لا يؤهلهم للفوز بجائزة (نوبل) رغم وجود اعترافات مهمة لمن يعتد برأيهم، أكدوا خلالها أحقيتهم في التحصل عليها، مشيرين بجلاء إلى الأديب العالمي “الطيب صالح” الذي رحل دون أن يحصل عليها وهو الأحق بها، كما قال نقاد كبار في الشرق والغرب على حد سواء!!
(نوبل للسلام) نفسها كان هناك من يستحقونها، فالسودان أبرم أهم اتفاقيات السلام، ومع ذلك سقطت الأسماء من قوائم الترشيح سهواً أو عمداً، فكيف لا تتساقط أعمدة السلام في بلد لا يعترف بإنجازاته ليس من يتحكمون في منح الألقاب والجوائز فحسب، وإنما حتى الرعاة الذين ظلت الاتفاقيات تمثل لهم مداخل للوصول إلى تكريس استراتيجيات تتجاوز السلام إلى ما هو أخطر وأفدح ثمناً؟!
ليس لدينا مجرد مرشح في القائمة الطويلة.. وهذا لا يحزن لأن الترشح لا يعني غالباً الفوز.. ولأن الفوز ليس بوسام ناصع إلى الحد المبهر والخالي من الشبهات والشوائب.. ومع ذلك لا أحد يملك القدرة السحرية على التقليل من جاذبية (نوبل) التي حفرت لاسمها عميقاً عبر تاريخ مليء بالظنون والشكوك.. ألا يكفي أننا ما زلنا في كل مرة نسأل: (نوبل) لمن يا ترى؟!
ثم ماذا بعد؟!
ليس مدهشاً ولا مفاجئاً أن تعلن لجنة التحكيم عن حجب جائزة (نوبل للسلام).. فالسلام في هذا العالم أضعف بكثير من أن تمنح له جائزة!!