الدراما السودانية بأي ذنب قتلت؟
المتابع للأفلام والمسلسلات المصرية يلاحظ أن كل واحد فيها يحرص على تصوير أبطاله وهم في مركب على شاطئ النيل أو على ساحل الإسكندرية، ويلاحظ التركيز على الخضرة في الشوارع، وهذا كله ليس مصادفة فكل دول العالم تحرص على عرض أفضل المشاهد لديها، ولهذا أي خليجي يتم قضاء عطلته في مصر هو والعائلة، أما الأجانب فإنهم يأتون من أجل الآثار والمعالم التاريخية، عندما قلنا إن الدراما لها فوائد حتى على السياحة، فإننا قصدنا ذلك حتى لو كان الفيلم عن حادث سرقة، فإن ما يبقى في ذاكرة المشاهد من هذه المناظر، ولأن مصر لا توجد بها مواقع مشاهد طبيعية خلابة فإنهم اكتفوا بتلك المشاهد القليلة للخروج بالكاميرا عن الاستوديوهات، ونفس الأمر يقال عن لبنان.. لقد عرف البلدان كيف يوظفان السينما في خدمة السياحة.
بالنسبة للدراما السودانية المحاربة بقسوة في كل العهود، هي تقاتل من أجل إيجاد مساحة لها، وقد احتار الناس في السبب الذي تُحارَب من أجله الدراما، لدرجة أننا تمنينا أن نكون مصريين حتى تجد أعمالنا الفرصة للعرض، ولا يعرف أحد سر الخوف من الدراما في تلفزيوننا، بعد فترة ازدهار قصيرة أيام “الطيب مصطفى”، حيث يقال إن الحكومة تخاف من النقد، ولهذا تعمل في إصرار لقتل الدراما ولا تسمح إلا للأعمال الضعيفة، ولهذا لا يجد الممثل السوداني الفرصة لتطوير نفسه من خلال الأعمال المشتركة، وفي هذا نجح الخليجيون في جلب رأس المال المصري واستفادوا من التسهيلات التي تقدمها القنوات المصرية، فشاهدنا الكثير من الأعمال المشتركة.
ونحن أقرب الناس إلى مصر، والواحد يذكر كيف أن المسرح القومي كان يستقبل الفرق المصرية، وأن أفضل الفنانين في مصر غنوا فيه، ولكن الأمر لم يستمر ويتطور بل توقف، كان بالإمكان إنتاج أعمال مشتركة من قصص حقيقية كان مسرحها البلدان مثل قصة الشاب السوداني الذي جندته المخابرات الإسرائيلية للتجسس على سلاح الطيران المصري، وظل يخدعهم طوال أربع سنوات إلى أن أخذ منهم أحدث جهاز إرسال، بعد أن تعلم منهم كل الخطط والوسائل المستخدمة في التجسس، هذه قصة حقيقة تصلح لإنتاج مشترك، هناك عشرات القصص التي تصلح لإنتاجها لا تجد فرصتها بسبب حالة اليأس التي أصابت أهل الدراما.
لو تأملنا حالة الانتعاش التي عاشتها الدراما السودانية قبل حوالي عشر سنوات، فسنجد أنه كان هناك مساحة للحرية لم تتوفر في فترة تالية، وقد حسَّ الدراميون بعظم المسئولية لذا كتبوا نصوصاً مسئولة عن القانون، ولحسن الحظ أن تلك الفترة شهدت وجود مسئولين في التلفزيون يتفهمون احتياجات الدراما ولا يبخلون عليها بالمال، وحرص الناس على تقديم أعمال مسئولة بأسعار معقولة، فكان كل المسلسل يتم إنتاجه بحوالي مائة مليون جنيه، كما حدث في مسلسل (العودة للأرض) الذي صُوِّر بكامله في قرية بالشمالية، وأصبح هناك نشاط ملحوظ في قطاع الدراما، وأخذ الناس يفكرون في الإنتاج المشترك وتدريب الدراميين في مصر، ولا يوجد حاجز لغوي بين البلدين، لا يعرف أحد لماذا توقفت زيارات الفرق المسرحية للسودان، لقد كان شيئاً عادياً أن نشاهد “عادل إمام” و”سعيد صالح” في الأعياد والمناسبات، والآن توقف ذلك، ولا يعرف أحد ما هو السبب والتبرير.
يمكن لشركات الإنتاج المصرية أن تتبنى مسلسلاً سودانياً وتتولى تسويقه للعالم، شريطة أن يتم اختيار لغة وسط يفهمها الجميع، وأساساً ليس هناك كبير اختلاف بين اللهجتين.
الآن لدى كل كاتب من كتاب الدراما عدة أعمال جاهزة من مسلسلات ومسرحيات وأفلام، ولكن لا أحد يجرؤ على إنتاجها، يحدث ذلك رغم أن إعلانات التلفزيون تدر المليارات لخزينته، والآن أنا أتحداهم أن يقولوا الرقم الحقيقي لدخل الإعلانات حتى تصابوا بالذهول مثلي.. مما يعني أن الاعتماد على ضعف الدخل حجة مردودة، ولا يصدقها أهل الدراما الذين يعرفون كل شيء عن الدخل من الإعلانات، وأيضاً الإنفاق عليها، ويعرفون أن الفارق كبير.