شهادتي لله

قبل فوات الأوان

} انفرط عقد الأمن في الخرطوم بصورة غير مسبوقة، لا تضاهيها حتى أحداث الاثنين الأسود في العام (2005)، غداة الإعلان عن مقتل العقيد “جون قرنق دي مبيور” في حادث تحطم مروحية يوغندية في سماء الاستوائية.
} يومان من الرعب والهلع عاشهما مواطنو ولاية “الخرطوم”، وقبلها “ود مدني” العزيزة. انفجرت المدن.. أحرقوا محطات الوقود.. لا واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثاً.. أتلفوا المحلات التجارية.. دمروا سيارات المواطنين الخاصة.. تحولت الطرقات إلى حواجز ومطبات مصنوعة من حطام اللافتات والصخور وجذوع الأشجار المحروقة، بعد أن جمعت أجهزة الأمن لساتك السيارات من معظم شوارع الخرطوم قبل أيام من الأحداث!!
} لم يعد المواطن آمناً في بيته أو متجره أو مكتبه، وخلت الطرقات من المارة إلا المضطرين.. ومات بعض المواطنين بالرصاص أو بالحجارة!!
} مضت “سارة”، شقيقة زميلتنا “إيمان عبدالباقي”، المحررة البرلمانية لـ (المجهر)، إلى جنات النعيم بإذن الله، بعد إصابتها بطلق ناري في صدرها بمنطقة “الدروشاب” أمس. رصاصة ضلت طريقها إلى “سارة” بدلاً من الذين أحرقوا الطلمبات أو السيارات والممتلكات العامة والخاصة!!
} أين اختفى – وسكان مدينة الثورة مرعوبون – ذلك الملازم الذي طاردني بدوريته عند الثالثة صباحاً في (شارع بيتنا)، وأنا عائد لتوي من الصحيفة، بحجة اشتباهه في سيارة مسرعة تحت جنح الليل!! لماذا لم يطارد الذين أغلقوا شارع النيل بأم درمان وأحرقوا كل شيء؟! هاتف شرطة (النجدة) لا يجيب، وقد حمل بعض أهالي مدينة الثورة العصي والمدي لحماية أنفسهم وحاراتهم.
} ليس هناك من يرضى عن قرار رفع الدعم عن المحروقات، عدا قلة قليلة مجبورة على (السكات). وكنا أول من ناهض هذه القرارات وحذرنا من اندلاع المظاهرات المصحوبة – طبعاً – بأعمال شغب، لكنهم سخروا منا لأننا – في نظرهم – لا نعرف شيئاً، فهم وحدهم من يملكون المعلومات ويبصرون الطريق!!
} كان الوزير “علي محمود” يسخر من الصحفيين ويصفق بيديه كناية عن الاستهزاء بحديث الصحفيين في لقاء للدكتور “نافع” قبل أيام!!
لكن “علي محمود” لا يفقه شيئاً في السياسة، ولا حتى في الاقتصاد، بدليل أن سعر الجنيه السوداني انخفض أكثر من خمسة جنيهات مقابل الدولار خلال ثلاث سنوات في حركة انهيار مستمر لم يشهدها الاقتصاد السوداني منذ الاستقلال في العام 1956.
} من المسؤول الآن عن حريق “الخرطوم” و “مدني”؟!
ليست (المعارضة) بالتأكيد، لأنها مثل الذي (قام من نومو لقى كومو)!! يا لهُ من كوم بئيس!
} المعارضة غير مسؤولة، لأننا لم نر كوادرها في الشوارع تحمل لافتات محترمة وتقود مظاهرات تطالب برحيل النظام، كما فعل المصريون في ثورة يناير، وكما يفعل منذ رمضان (الإخوان المسلمون) المظلومون المضطهدون المقتولون بالآلاف في قاهرة الفريق “السيسي”.
} هذه احتجاجات شعبية تعبر عن رفض قرارات رفع الدعم، تجاوب معها عامة الناس، حتى وإن لم ينخرطوا في تنظيمها، ولهذا بدت غير مرتبة وبلا قائد!! ولكن – وللأسف – تم استغلالها بواسطة مخربين ونهابين، قضوا على الأخضر واليابس، واحتلوا البقالات ونهبوا الطلمبات.. وكان هذا متوقعاً لكل ذي بصر وبصيرة، عدا بعض الحاكمين وبعض الذين يسلمهم الحاكمون آذانهم!!
} سميناها مظاهرات أو احتجاجات.. أسموهم (ثواراً) أو مثيري شغب ومخربين.. هذا لا يهم. المهم إعادة الأمن والاستقرار لـ “الخرطوم” و”مدني.. لـ”الدروشاب” و”السامراب” و”الكلاكلات” و”السلمة” و”الثورات” و”أم بدات” و”الفتيحات” و”أم درمان” و”بحري” و”الجريف” و”الأزهري”.
} إعادة الأمور إلى نصابها لا يتم بالرصاص، بل بقرارات سياسية شجاعة تراجع وتغير وتبدل وتمتصل غضب الشارع قبل فوات الأوان.
} أرجو ألا نكابر ولا نعاند أنفسنا.. كفانا (ركبان الرؤوس).
} حفظ الله البلاد والعباد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية