(لا) .. لزيادة الأجور!!
ليس لأن مجرد الإعلان عنها سيفتح شهية التجار لمزيد من الإمعان في سياسة رفع الأسعار ونشر فوضى الغلاء، وليس لأن مقدارها الضئيل لن يقوى على مجابهة الاحتياجات الفعلية للمواطن.. وليس لأن زيادة الأجور تشمل العاملين في القطاع العام دون الآخرين في القطاع الخاص وأصحاب المهن الحرة.. فتلك كلها قد تكون أسباباً وجيهة يسوقها دائماً البعض لرفض زيادة الأجور.. لكن الذي لم ينظر إليه حتى الآن ويجب مراجعته هو منهج زيادة الأجور نفسه، الذي يقوم على فكرة وضع نسبة مئوية للزيادة تسري على الجميع.. فالذي راتبه ألف جنيه مثلاً سيتحصل على ألف ومائة جنيه إذا افترضنا أن الزيادة (10%) من إجمالي الراتب.. فيما سيتقاضى مَن راتبه خمسمائة جنيه، خمسمائة وخمسين جنيهاً فقط.
وهنا نلحظ الفارق الكبير بين الراتبين، فزيادة الأجور تفاوتت ما بين (100) جنيه كاملة و(50) جنيهاً فقط، رغم أن صاحب الراتب الأول كان يتقاضى ضعف الأجر الذي يتقاضاه صاحب الراتب الثاني، وبالتالي فوضعه المادي أفضل بكثير.. وكان الأولى أن تكون زيادة الأجر موجهة بشكل أكبر لأصحاب الرواتب الأقل.. أو أن تكون الزيادة ليست بالنسبة إلى سقف الراتب وإنما مبلغ يُتفق عليه يمنح للجميع بالتساوي.. كأن تكون الزيادة هي مائتا جنيه مثلاً وتضاف بشكل ثابت لكل الرواتب.. فمن أجره ألف جنيه يصبح ألفين ومائتي جنيه، ومن أجره خمسمائة جنيه يصبح سبعمائة جنيه.
هذا الطرح قد لا ينسجم مع لوائح الأجور التي تقوم على درجات وظيفية محددة وأسقف للرواتب معلومة.. لكنه ينسجم مع مفهوم (العدالة الاجتماعية) التي نبحث عنها، ويتلاءم مع فرضيات الواقع المعيشي، ويقرب الفجوة الطبقية بين العاملين.
بالإمكان تسمية اعتماد المنهج الثاني أي شيء آخر غير زيادة الأجور، فليس مُهمَّاً أن نطلق عليها زيادة أو منحة.. وليس معقولاً أن لا يتم اعتماد هذا المنهج لأنه يخالف النظم واللوائح الإجرائية في السلم الوظيفي..الأهم من كل هذا أن تعمل الحكومة على تقديم زيادة يلمسها بشكل فعلي ومؤثر الجميع، وليس أصحاب الرواتب العالية فقط.
المنطق يقول إن أصحاب الأجور الضعيفة هم الأولى بالرعاية.. والدعم.. والمنطق يقول أيضاً إن هذا الإجراء لو تم لن يشكل عبئاً إضافياً على خزانة الدولة بقدر ما سيمثل زيادة حقيقية للأجور التي تحتاج بالفعل لأن تُرفع، فأصحابها هم الأكثر تأذياً من رفع الأسعار الذي سيتواصل بشكل أكبر في المرحلة القادمة.
مفهوم (العدالة الاجتماعية) يقتضي أن نفكر بمنهج يُرَاعى في (محاصصة الأجور) التي سيبدأ تنفيذها في أكتوبر المقبل، أن يشعر العاملون بجدوى الزيادة المعلنة وضمن سياسة تقريب الفوارق في الأجور التي ستعكس آثارها الإيجابية على الحراك المجتمعي والاقتصادي، وتندفع باتجاه إنعاش (الطبقة الوسطى) التي ذابت للأسف تماماً.. تلك الطبقة التي كان عمادها الموظفون والعاملون في القطاع العام وبأجور متقاربة ومتوازية تكفي حاجتهم تماماً لمواجهة التزاماتهم المعيشية والحياتية.
الحاجة الفعلية ليس لمن يتقاضون الأجور العالية ومعظمهم في مقدمة السلم الوظيفي ويتمتعون بامتيازات عديدة أخرى غير الراتب الأساسي.. الحاجة الفعلية لأصحاب الأجور الضعيفة الذين هم إما في بداية التعيين أو قطعوا أبعد من منتصف الطريق فظلت أجورهم تتقدم بسلحفائية لا توازي السرعة الماراثونية للأسواق!!
تحديد (خدمة مالية) واحدة تذهب للجميع بالتساوي هي (الزيادة العادلة) التي يمكن أن تطرأ على الأجور، وليس بالنسب المتفاوتة وفقاً لسقف كل راتب، التي ستكون ضئيلة وغير ذات جدوى لمن هم محدودو الأجر، الذين يفترض أن يكونوا الأوْلى بالزيادة.. وإلا فلسان حالهم سيظل يقول: (لا) لزيادة الأجور!!