عوفيتِ "حنان"
} ولهفي على بنات جيلي وعلى زملائي في الصحافة السلطة الرابعة التي تلوك المر من أجل أن توضح الحقائق، وتسابق الأخبار وتقدم النقد البناء وتطرح القضايا الجوهرية، وتشارك في صنع القرار وتساند المواطن، وتخلق الأرضية التي يمكن أن تعيد توازن الحياة في كافة المجالات، ليكون الحصاد لاشيء.
} وقلبي يؤلمني إلى حد كبير وأنا أرى هذا المجهود والاجتهاد الكبير من قبل الصحفيين، وسعيهم المتواصل لتقديم جرعه ثقيفية وإخبارية، تفيد المتلقي وتساهم في نشر الوعي وبلورة الأفكار وتقديم النماذج التي تعضد التواجد الحياتي، وتسهم في مواصلة المشوار الدنيوي بثبات وحيوية، رغم الأزمات والمشاكل التي تواجه الكل، وتصنع هذه الحراك السلبي في كثير من الأحيان، ليكون النتاج أن يظل الصحفي في ذات المحطة وذات المكان وذات المعاناة المرة في أول منعطف حياتي.
} ونماذج كثيرة وكبيرة لأرقام صحفية وإعلامية، واجهت الموت بشجاعة تحسد عليها، لأن ثمن الدواء والماء لم يكن ضمن المقتنيات، ومجموعة من الإعلاميين على كافة الوسائط المختلفة، ابتلعهم المرض وفعل بهم الأفاعيل، لأن ثمن الدواء لم يكن كافياً لشفاء الجسد والروح، في ظل الصمت المدقع للدولة إلا في بعض الحالات، رغم أن السلطة الرابعة ظلت على الدوام مساندة ومعضدة المشوار، ومثبتة لكثير من الحراك السلبي في كافة مناحي الحياة.
} والصحافة واجهة حقيقية وأداة تبصيرية، لا بد أن يكون العاملون فيها بذات المكان الذي وضع فيه المسمى الكلي للمعنى الأسمى والأجمل والأحلى، إذ أن الواقع يبين أن الانهيار المالي والصحي قد لامس الكثيرين داخل المبنى الكبير، الأمر الذي يتطلب أن يكون هناك اهتمام حكومي موازٍ لحراك الدكتور” تيتاوي” في اتحاد الصحفيين، لتوفير المستقبل الصحي لهؤلاء المجاهدين في العمل الإعلامي إن صحت التسمية والمعنى الكبير.
} والزميلة الغالية” حنان بلة” (انتفاضة) واحدة من الركائز الأساسية للصحافة السودانية، بل مناضلة من طراز فريد، استطاعت أن تقدم تجربة ثرة حافلة بالمفيد، وممتلئة بالإبداع في صحف شتى منذ الثمانينيات وحتى الآن من خلال مجلة (السمحة) التي أدخلت نوعاً جديداً لعالم الصحافة في طريقة العرض والنقل والمصداقية والتقنية الحديثة.
} و”انتفاضة” التي تعرضت لتلك الإصابة في 1985 في سبيل النضال وإيصال صوت الحق ومواصلة المشوار الإعلامي في اتجاهات مختلفة، هي ذاتها التي تعرضت للإصابة بالعمى دون مبررات وفجأة، الأمر الذي أقعدها لشهور في مكانها تتنقل مابين هذا وذاك من الأطباء، حتى تم شفاؤها بعد مشوار طويل قضى بمنحها (الكرتزون) كعلاج دائم، مما انعكس سلباً على حياتها الصحية، لتصاب بتقرحات وأمراض مختلفة، أدت لتدهور صحتها منذ رمضان الفائت وحتى الآن، في ظل هذا الارتفاع الجنوني لأسعار الدواء، وعجز الأطباء عن تشخيص المرض.
} “حنان بلة” تعاني الأمرين صحياً ومادياً، ونحن نتابع بصمت، لأن اليد قصيرة والعين بصيرة، الأمر الذي يتطلب أن يكون هناك حراك حكومي لعلاج هذه المناضلة التي قدمت عصارة تجربتها في السودان، وما زالت تأمل في أن يكون لها رأي في مقبل الأيام إن تم شفاؤها بصورة نهائية، ومن ثم فالصوت يعلو لجميع الزملاء في أن يكون الحراك المعنوي دافعاً لحنان في أن تتمسك بالحياة وتعود بذات الابتسامة والبشاشة، التي كانت زاداً لنا في العمل الصحفي.
} “حنان بلة” تعيش أوضاعاً صحية غير مستقرة، والجميع يحاول عبثاً أن يلاحق الحياة، فلنمد يد العون ونصطف جميعاً معها ومع غيرها من الزملاء، علها تكون البداية لوضع معالجات لأزمات الصحفيين في مقبل الأيام.
} عوفيتِ “حنان”