أخبار

تجدد الجراح

{ عادت مرة أخرى دارفور لتقاليدها وإرثها وعاداتها.. لا تشبع من الموت، ولا تطفئ الدماء التي تسيل عطشها للدماء.. تجدد النزاع بين (الرزيقات والمعاليا) الذي يعود تاريخه لستينيات القرن الماضي.. أكثر من خمسين عاماً من الفشل الإداري والسياسي والخيبة في تسوية قضية (تافهة).
{ الصراع والنزاع والقتال في غرب السودان أسبابه متعددة، أولها الأرض التي تتهافت الجماعات والأفراد للاستحواذ عليها باسم (الحواكير)، وأيهما أحق بها: الذي استوطنها منذ مئات السنين أم من انتفع بها لاحقاً.. وولاية الدولة منقوصة وهي تسترضي القبائل وتطلب ودها خوفاً على نفسها وسلطتها.. ومن المفارقات المبكيات والمضحكات أن الحكومة تطالب بفرض هيبة نفسها!! وقد ذهبت هيبة الدولة مع سطوة القبائل ونفوذ الحركات المسلحة.. لا تستطيع إحصاء عدد المؤتمرات التي عقدت ولا المصالحات التي أبرمت (والحال يا هو نفس الحال).. موت ودموع وأحزان ورماد بعد دخان.. وعدد السودانيين الذين قتلوا بأيدي السودانيين فقط في ما بعد الاستقلال 1956م يعادل ضعف عدد ضحايا النزاع العربي الإسرائيلي منذ 1948م.. وربما نال السودان جائزة (جينيس) في الأرقام القياسية لعدد القتلى في العام الواحد.. ونحن نباهي ونزهوا بأنفسنا ولا ننظر لعيوبنا وعوراتنا..
{ النزاعات القبلية في دارفور تمثل وجه الفشل الحكومي الحقيقي في إدارة البلاد بعد تقسيم دارفور إلى (حواكير) قبلية باسم تقصير الظل الإداري وبسط السلطة للشعب.. فانشطر إقليم دارفور (الواحد) عام 1992م إلى ثلاث ولايات.. ثم انشطرت ولايتا جنوب وغرب دارفور ليبلغ عدد الولايات (خمساً)، فأصبحت غرب دارفور ولاية تبسط قبيلة المساليت سيطرتها عليها.. وولاية وسط دارفور حاكورة للفور.. وشرق دارفور للرزيقات.. تلك هي الحقيقة المريرة.. وجاءت الحكومة بولاة من القبائل الكبيرة ليحكموا أنفسهم بما يروق لهم.. فكيف لا تنشب النزاعات والصراعات ويحصد الموت الأرواح؟!
{ قال دعاة تعدد الولايات إن السلام والاستقرار في التقسيم، فحصدوا اليوم الموت وهلاك الأنفس وتبديد الثروة والمال في (الأجندة) الأمنية. والدولة تنفق بسخاء شديد على الأمن وتقبض يدها عن التعليم والصحة والطرق.. كم أنفقت الحكومة خلال هذا العام من المال لدرء مخاطر نزاع الرزيقات والمعاليا؟ طائرات تعلو وتهبط.. أسفار لمسؤولين وولاة.. مركبات وأسلحة للجيش والشرطة.. وطريق الضعين المجلد يبحث عن التمويل.. ودعاة تقسيم دارفور من قيادات الحكومة ونوابها ينظرون فقط لمصالحهم الخاصة والمقاعد التي يبسطها التقسيم لهم لينالوا حظهم من الوزارات والمحليات.
{ ناهضوا وحدة إقليم دارفور أو بقاء الولايات الثلاث تحت شعار (نحن أهل الحق المطلق).. وحينما رفعت الحركات التي تحمل السلاح (العودة لنظام الأقاليم)، وجدت مطالبها الرفض. وحتى اتفاقية الدوحة التي نصت على استفتاء أهل دارفور (لتخييرهم) ما بين الإقليم الواحد والولايات المتعددة لم تجد من يحترم هذا النص..
{ فهل يجد الدمار والموت والدماء التي تسيل يومياً وتروي تراب دارفور عظة واعتباراً، وإعادة النظر في ما أنتم فيه تشتجرون؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية