استانبول..!!
أمضي هذه الأيام باستانبول التركية في مهمة عمل قادتني إلى بلاد “رجب طيب أوردغان”، وقد ذهبت وفي ذهني صورة زاهية كونتها عن هذا البلد الناهض، ثم أيقنت أن الأمر كذلك، فقد رأيت أمة وشعباً وبلداً بقدر ما تحس بأن فيه مشروع حقيقي وفاعل ومتفاعل للنهضة بقدر ما يصيبك القلق على بلدك، إذ إن انطلاق الشعوب الأخرى وتقدمها وإن كان فيه خير للإنسانية فإن فيه مؤشراً حقيقاً بالبحث عن مكانة السودان في هذا العالم الذي تسعى كل الدول فيه للصدارة والرفعة، وحتى في جوارنا الأفريقي، فقد شدت بعض الدول الخطو وسارعت الخطى ونحن لا نزال عالقين في الجدل والثرثرات وتبادل اللعنات، وحتى القليل الذي أحرزناه في السنوات الماضية أخشى أن نهدره بكثرة الرد والخلافات.
لقد رأيت سادتي في تركيا الجديدة روحاً وطنية لم ترد حتى مناهضي الحزب الحاكم حالياً، والجماعة في الفكر والتأسيسات عن دعم التطور الكائن، قد تجد سائق تاكسي أو أستاذاً جامعياً أو صحفياً أو سياسياً يختلف تماماً مع “أوردغان” لكنه مع ذلك لا يتردد في أن يفتخر ويحرص عملياً وفعلياً على تأكيد هذا الفخر بعمل صالح لوطنه.. هناك رأيتهم يميزون بين الموقف الحزبي والقضية الوطنية، فانسجم الحاكم والمحكوم بقدر تظن معه أن تلك البلاد بلا معارضة أو أصوات مناهضة للحاكمين، لا جدل سياسي ظاهراً، ولكن ثمة نشاط لافت بين الجميع، الكل حتى في سيره يسرع لا يلتفت لأحد.. الجميع يحرص على الإنتاج دون التقيد بوجاهة الوظيفة، وتيرة هذا حولت البلاد إلى شكل ناهض في كل شيء مما انعكس على مستوى الاقتصاد الذي جعل الفرق بين الدولار والليرة التركية ضئيلاً، وهو حال كنا فيه قبلهم بسنوات، ولكننا أضعناه، لدرجة أن اقتصادنا اليوم صار مثل الأسمال البالية من كثرة الترقيع!
الإسلام لا يهتف به أحد أو يزايد، مع أو ضد، لكنه حالة من التعايش الناعم مع الآخر، فالشارع منضبط في تقديري رغم حجم الحريات المبذول فيه، ولأن لا عسر يغلب يسرين فإن سمت المحافظة في الزي الإسلامي غالب على المبذول من التعري الممكن لمن يرغب، وقد لاحظت أن المساجد تكتظ بالمصلين على مدار الوقت، وحتى أفضل المواقع السياحية – المكتظة بالألف- توجد بها مصليات بهية ونظيفة لأن الكل يحرص على أن هذا وطنه، فلا يسمح المواطن قبل السلطات بسلوك ضار بالبيئة أو الأجواء المحيطة، ويشمل ذلك حتى المنافع والخدمات العامة التي تتميز بكفاءة وكأنها أوجدت قبل أشهر رغم أن عمرها سنوات.
قد يكون رئيس الوزراء التركي سياسياً ناجحاً وموفقاً وموهوباً كذلك، لكن ما هو أصح من هذا، أن شعبه أراد الحياة وتمسك بالنهوض، وقد أيقنت في استانبول أن الحكومات قد تصنع أنظمة ولكن الشعوب هي التي تنجز أوطاناً وتحقق الفارق.