حوارات

(المجهر) تقلب أوراق سياسية قديمة وجديدة مع "أمين بناني" (2-2)

الهدوء والبسمة الواثقة التي لا تفارق محيا الأستاذ “أمين بناني” ربما لا تشي بما يمور في دواخل الرجل الذي عركته التجارب السياسية مذ كان يافعاً يتلمس خطاه بـ(جامعة الخرطوم)، وربما كذلك لا يفصح هدوؤه عن حزمة العواصف والتقلبات الكثيرة التي واجهته خلال حياته الطلابية كأحد قادة التيار الإسلامي بداخلها أو أثناء عمله في لجنة الحسبة بالمجلس الوطني ومن ثم تقلده منصب وزير الدولة بوزارة العدل لفترة قصيرة لا يلبث أن غادرها واتبعها بالخروج غاضباً من المؤتمر الوطني، ثم كون (حزب العدالة) مع “د.لام أكول” والمرحوم “مكي علي بلايل” وانشق من ذات الحزب وكون حزب (العدالة القومي) بعد ذلك.
“أمين بناني” إمام المسجد الذي خبر دروب السياسة وتحالفاتها أطلق خلال الفترة السابقة ميثاق التحالف الوطني الإسلامي كجسم معارض قال إنه سوف يمثل بديلاً جيداً للحكومة الإسلامية التي فشلت في تثبيت دعائم الإسلام في المجتمع السوداني، وللمعارضة التي يرى أنها متفرقة في الداخل، وقال إنه يعول عليها كثيراً في إحداث التغيير خلال الفترة المقبلة على التحالف الذي أكد أن عدداً كبيراً من القوى الإسلامية سوف تجد فيه ضالتها المنشودة.
(المجهر) جلست إلى “أمين بناني” وقلبت معه تفاصيل أحداث سابقة ما تزال مؤثرة بشدة عليه خصوصاً وعلى المشهد السياسي عموماً، ورد على كل الأسئلة بذات البسمة الواثقة والهدوء الذي بدا عليه:

} بعد خروجك من (المؤتمر الوطني) لماذا لم تنضم إلى (المؤتمر الشعبي) وقتها الذي كان يمكنه استيعاب أفكارك..؟
لم انضم لـ(المؤتمر الشعبي) لأن لدي خلافاتي مع ذلك الشق منذ وقت مبكر، ولا أريد أن أسهب فيها، ورأيت في مرحلة المفاصلة أن أمضي في الإخوة الذين حُجرت عليهم، وبعد عام بعد أن اكتشفت خطأهم قررت أن أفارق الاثنين وأن أمضي في طريقي وأطرح أفكاري ورؤاي بصورة مستقلة، وهذا أحسن عندي أن أخرج عن الأطر القديمة سواء أكان هنا أو هناك.
 } هل تعتقد أن حزبكم لديه قواعد جماهيرية كبيرة..؟
طبعا حكاية الجماهير هذه إدعاء.. من الذي له جماهير..؟؟ (المؤتمر الوطني) مثلاً ليس له جماهير فقط لأن لديه السلطة والثروة يحشد الناس كما يحشد “فرعون” الناس في يوم الزينة، وكل حزب سياسي له جماهير بوجوه عدة، وإنت عندك قواعد صلتك بيها مدخلها اجتماعي أو فكري أو مهني، لا شك أنني من هذا الجانب أتمتع بقدر كبير جداً من الشعبية في الخرطوم التي باتت تمثل كل التكوينات، وأنا أعتقد أن المد الشعبي بالنسبة لـ(حزب العدالة) الآن كبير لأن الأطروحات التي يقدمها الحزب في الساحة السياسية هي التي تجد القبول عند عامة الناس ربما لم نستطع تحريك هذه القواعد الكبيرة التي نواليها وتوالينا لأسباب لوجستية، لكن لا يمكن أن يزايد علينا أحد في حكاية الشعبية هذه.
} ننتقل إلى محور تحالف القوى الإسلامية والوطنية التي انضم لها عدد من الأحزاب… إلى ماذا توصلتم حتى الآن..؟؟
نعم تقريباً انضم للتحالف حوالي عشرين من الأحزاب المسجلة في التحالف، واتصلنا بالعديد من الشخصيات الوطنية من مختلف القطاعات، بالإضافة إلى التحرك في أوساط قطاعات الشباب والمرأة، وأنا في تقديري أن أكثر من سبعين في المائة خارج النظام وخارج قوى المعارض وهو غير راضٍ عن كل شيء، بالتالي التحرك في هذه المساحة، وهذا واحد من أهم أهداف هذا الحزب، والانتماء لهذا الحزب ليس بالضرورة أن يكون حزبياً يمكن أن تنضم إليه من خلال واجهات اجتماعية أو ثقافية أو منظمات تعمل في العمل الطوعي، إنه كيان شعبي شامل يحشد الشعب بكل وجوه الانتماء ووجوه الوظيفة التي يمارسها الفرد وهو أكثر من أن يكون جبهة سياسية وأكثر من أن يكون حزباً أو تنظيماً سياسياً، وهو إطار شعبي عام ذو توجه محدد، وفي هذا المفهوم أعتقد أن يكون هذا الكيان ناجحاً.
} هل الوصول إلى السلطة أحد أهدافكم..؟؟
السلطة أحد أهدافنا، لكنها ليست الهم الوحيد لنا، عندما نصل إلى السلطة ستكون إحدى أدوات التغيير. والفرق بيننا والحركة الإسلامية أنها حركة كانت كثيرة الأدوات التي تستخدمها لتغيير المجتمع، ولكن عندما وصلت إلى السلطة استغنت عن كل أدواتها وبدأت تعتمد فقط على تنفيذ كل شيء وهذا ناتج عن خطأ واشتغلوا بالسلطان، ونحن ليس كذلك، لأننا نعمل على تنفيذ برنامجنا للتغيير الاجتماعي قبل أن نغير هذا النظام، وعندما نصل إلى التغيير ستكون السلطة هي إحدى أدواتنا للتغيير. وهذا التحالف العريض هو أيضاً أداة وملك للمجتمع لإحداث التغيير المتواصل، لأن هذا الكيان ليس مطلوباً منه فقط أن يصل إلى السلطة فحسب، ومهمته بعد تغيير النظام الحالي ستكون أكبر بكثير من المرحلة السابقة، وأتمنى أن نبني كياناً يتحرك من خلاله الشعب أشبه بالثورة المستمرة.
} قلت إنك أُحبطت في الحركة الإسلامية.. ولكنك الآن تعود لتجميع القوى الإسلامية عبر هذا الكيان… ألا ترى تناقضاً في مواقفك..؟؟ ثم ألا تخشى أن تعيد إنتاج ذات الأزمة في حكم الإسلاميين..؟؟
أنا أريد من الإصلاح إلا ما استطعت، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأنا لم أزهد في الفكرة، ولكني زهدت في التنظيم وتنظيم (الحركة الإسلامية) القديم لم يعد مجدياً والتعلق به تعلق في الماضي، وكثير من الناس يخطئون عندما يتعلقون بالهياكل ويهملون الفكرة، وأنا الآن مع الإخوة في الأحزاب والتنظيمات والشخصيات الوطنية نعمل معاً على إنزال فكرة الإسلام والوطنية إلى ساحة العمل الاجتماعي والسياسي بكيان جديد، لذلك ليس هناك تناقضاً وأنا لا أضمن النجاح مائة بالمائة لهذا العمل، لأن هناك أشياء كثيرة تتحكم في هذا العمل، ولكننا سوف نبذل كل جهدنا ونسأل الله التوفيق.. وأعتقد أننا إذا توفرت لنا حسن النية وقوة الإرادة والتوكل على الله وكسبنا ثقة الشعب السوداني نستطيع أن ننجز هذا الكيان.
} ألا ترى أنك أصبحت بذلك في جزيرة معزولة لأنك رميت (الحركات الإسلامية) وأظهرت بعدك عن القوى السياسية الأخرى… وأصبحت الآن تبحث عن بقايا ما تساقط من جماهير تلك القوى..؟
أنا معي عدد كبير من الأحزاب والمنظمات ولا أقف وحدي، ثم إنني لا أدعو لمفاصلة مع التيارات الإسلامية والوطنية الأخرى، ونحن نتوحد مع الجميع وسنتحاور مع كل إنسان يؤمن بهذه الفكرة ويتخلص من عوامل الفشل، وعلى مستوى الساحة السياسية ندير حوارات مع شخصيات وطنية كبيرة، وهذا العمل غير محدود وبدأ بهذا الزخم الكبير، ولكننا نصر أن نأتي ببديل للنظام الحالي وبديل للمعارضة التقليدية لأنها فشلت بسبب عدم انطلاقها من مرجعية واضحة، والآن ندعو لمرجعية إسلامية واضحة مكتوبة في ميثاقنا.
} بحسب أحاديث صحفية أنت عزلت القوى السياسية الأخرى المنضوية تحت مظلة التحالف المعارض عن كيانك المقترح… وانتقدتها بعنف كأنك ترمي إلى أن تقول إن كيانك بديل لها.. إلى أين تريدون الوصول؟؟
من أهم أسباب النجاح أن ننطلق من رؤية واضحة وأن تكون لنا مرجعية، والمسألة ليست تصريحاً والمعارضة نعم تجتمع ولكنها مختلفة في كل شيء لذلك لا تعمل، ونحن نريد أن ننطلق من مرجعية إسلامية ونكتب أسساً وأفكاراً واضحة ونطور كل ذلك ونفصله في برنامج يشكل برنامج الحد الأدنى للاتفاق بين كل القوى الإسلامية والوطنية، أما القوى غير المصنفة إسلامية نحن في ميثقانا لم نعزلها ولم نحرم عليها العمل السياسي، وسنكتب دستوراً للبلاد يمنح الجميع حق ممارسة العمل السياسي، والشيوعيون والقوى الأخرى متاح لها أن تتجمع وفق مرجعية فكرية أيضاً ووطنية وتعمل كمعارضة إذا وصلنا إلى الحكم، وإن هي وصلت سنتحول إلى معارضة، وهذا هو الدستور الذي سوف يكتبه كل السودانيون إن شاء الله.
} ما هو رأيك في مجموعة (سائحون)..؟؟
(المؤتمر الوطني) فيه تيارات كثيرة وتتحكم فيه شلة وصغيرة والبقية مجرد كورس… ومجموعة (سائحون) فيما يبدو لي وأنا على معرفة ببعضهم من شباب صادقين كانوا يجاهدون من أجل حماية الدولة السودانيةـ ولكن هذه المجموعة اخترقت من عدة جهات، وهي لا تستطيع في وضعها الحالي أن تفعل شيئاً، و(المؤتمر الوطني) يتحكم في مفاصل هذه المجموعة، والعناصر الصادقة ستنتهي إلينا إما أن تنتهي كجسم سياسي وينضم إلى هذا التحالف أو أن يكونوا حزباً مع إصلاحيين آخرين يأتوا بحزبهم ذاك للانضمام إلينا في التحالف الجديد وهم رصيد إصلاحي بداخل الحكم.
} يقولون إن “أمين بناني” الطالب الدارفوري المفعم بالفكر السياسي الإسلامي أصبح الآن ثرياً جداً..؟؟
الحمد لله.. وأنا انتهز هذه الفرصة لأقول (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)، لا أملك مالاً كثيراً لكن كثيراً من الناس يتوهمون ذلك، وهذا من فضل الله عليّ، ولن تستطيع بعض الجهات أن تلوي يدي بهذا الحمد لله، وأتمنى أن أكون ثرياً حتى أوظف المال في خدمة البلاد والعباد.
} “أمين بناني” دعا إلى التحالف الإسلامي الوطني من أجل العودة إلى الأضواء؟
أنا أصلاً لم أخرج من الأضواء ولم أبتعد عن الساحة، بل أنا موجود في عدد من الساحات الفكرية والسياسية، وأنا إمام مسجد وعندي منبري وهذا اتهام باطل.
} بكلمات محددة… المرحوم “مكي على بلايل”..؟؟
– “مكي” شخصية مفكر إسلامي ثوري، وهو رجل من الصعب أن يولد مثله في (جبال النوبة) بالذات في السنوات المقبلة.
} “د.الترابي”..؟؟
مفكر كبير والسودانيون سيكتشفون قيِّمة “الترابي” بعد قرن مثلما اكتشف الناس قيِّمة “ابن رشد”.
}”محمد إبراهيم نقد”؟
التقيته مرة واحدة في عزاء، وقرأت له كتاب (الرق في السودان) وبعض المقابلات، وهو رجل مهذب جداً، ولكن القامة الفكرية لـ”نقد” كانت أقصر بكثير من المشروع الذي يتبناه (الحزب الشيوعي).
} “الصادق المهدي”..؟؟
هذا رجل شديد التهذيب والتواضع، وهو يطور نفسه فكرياً باستمرار وشديد الإيمان بالديمقراطية وكافح من أجلها طويلاً.. وأتمنى أن يقود السودانيون من خلال تبنيه لمشروع إسلامي وطني كبير كالذي ندعو له.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية